مقال

نفحات إيمانية ومع الزواج وتنظيم النسل ” جزء 5″

نفحات إيمانية ومع الزواج وتنظيم النسل ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع الزواج وتنظيم الأسرة، وقد انطلق أتباع الديانات في رفضهم لهذه الوسائل من منطلقين أساسيين جمعهم جميعا، فالأول أن تحديد النسل فيه إهانة لحياة الإنسان، فقد أكدوا على ضرورة أن تبقى العملية الجنسية بين الرجل والمرأة مدخلا وبوابة لاستمرار الحياة على وجه الأرض، في حين كان منطلقهم الثاني أن هذه الأديان تحتاج للبقاء نسلا كثيرا، ومن هنا فقد واظب أتباع الديانات على تنبيه الناس وتحذيرهم من استخدام مثل هذه الوسائل، وإن أخذنا أتباع الديانة الإسلامية كحالة منفردة، نجد أنهم وبالإضافة إلى الأسباب سابقة الذكر، فقد انفردوا بأسباب أخرى من أبرزها أن تنظيم النسل أو تحديده قد يكون بسبب الخوف من الرزق.

 

وهذا سبب لهم أرقا كبيرا جعلهم يفرقون بين تحديد النسل خوفا على الرزق وبين تنظيم النسل خوفا على الصحة، فحرّموا تحديد النسل بسبب الخوف من الفقر وأباحوا تنظيم النسل بسبب الخوف على الصحة أو لأية أسباب أخرى ، والسبب الثاني أن التحريض على استخدام مثل هذه الوسائل ما هو إلا ضربة للإسلام من أعداء الأمة، لأنه يهدف إلى تقليل أعداد المسلمين حول العالم، وفي الحقيقة فهذا السبب واه جدا لسبب بسيط وهو أن وسائل تنظيم النسل مستخدمة في كافة أنحاء العالم وتستهدف كافة البشر على اختلاف أنواعهم وأجناسهم وصفاتهم وأفكارهم ومللهم، فلو قالوا على الأقل أن السبب الرئيسي للترويج لهذه الوسائل هو زيادة أرباح الشركات التي تنتجها.

 

لربما كان ذلك أفضل، أما السبب الأول وهو الخوف على الرزق فيقودنا إلى المحور التالي رأي جميل في مسألة تحديد النسل بسبب الخوف من الفقر، وإن معنى النسل في اللغة هو الولد، ومعنى وتناسلوا، أى توالدوا، ويراد به في الشرع الولد والذرية التي تعقب الآباء وتخلفهم، وحفظ النوع الإنساني على الأرض بواسطة التناسل لذا جعل الله تعالى الزواج سنة في عباده، وآية من آياته العظيمة الدالة على عظمته، وقد وضع الله تعالى في الذكر والأنثى دوافع طبيعية ونوازع فطرية تكفل للنوع الإنساني البقاء والاستمرار، منذ عهد آدم وحواء إلى وقتنا الحاضر، بل إلى أن يأذن الله سبحانه بفناء العالم، ويرث الأرض ومن عليها.

 

وعزز تلك الدوافع والنوازع بضوابط وقواعد تكفل للنسل أحسن السبل، وأسلم الطرق، وأكرمها في الوجود والاستمرار، وإن حب البقاء، والشوق إلى دوام الحياة فطرة بشرية تجعل النفوس نزاعة إلى الخلف لأنها ترى فيه امتدادا لحياتها، وقد كفلت الشريعة الإسلامية حفظ النسل، وجعلت حفظ النسل مقصدا من مقاصدها التي يُراد تحقيقها بتطبيقها، إذ أن حفظ النسل قد أحيط بسياج من تشريعات متعددة ومتنوعة، تقصد جميعها إلى تحقيق هذا المقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، أما عن ترتيبه في جملة المقاصد، فهو يمثل المقصد الرابع بعد حفظ الدين والنفس والعقل، وبذلك يحتل درجة رفيعة ومنزلة متقدمة حيث إن حفظ الدين هو المقصد الأول.

 

الذي من أجله خلق الله الخلق، ثم حفظ النفس وهي الوعاء، ثم حفظ العقل، وهو جزء لا يتجزأ عن النفس، ثم حفظ النسل، وهو نتاج المقصد الثاني والثالث، فبدون تحقق هذين المقصدين لا يمكن بأي حال تحقيق مقصد حفظ النفس، وإن الإسلام حرص كل الحرص على الإنسان، ذلك الكائن الكريم على الله تعالى، الذي خلقه وكرمه، وأودع فيه من آياته، ومن أجله خلق الكونَ وما فيه وسخره له، لذا قدمته الشريعة الإسلامية الإلهية على الماديات، فكانت المقاصد الأربعة، وآخرها حفظ النسل متمركزة حول الإنسان، ثم جاء مقصد حفظ المال وما في معناه من الممتلكات المختلفة تاليا، وهكذا يتقدم مقصد حفظ النسل على المادة والمال، فتتضح مكانته وتبرز أهميته في الشريعة الإسلامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى