مقال

نفحات إيمانية ومع محمد الرحمة المهداة “جزء 9” 

نفحات إيمانية ومع محمد الرحمة المهداة “جزء 9”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء التاسع مع محمد الرحمة المهداة، حتى توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند بعض اليهود في المدينة، وقد فعل ذلك صلى الله عليه وسلم تعليما وإرشادا للمسلمين مع أنه كان في الصحابة من يقرضه بل ويؤثره على نفسه، وأيضا سماحته وتسامحه مع أهل الكتاب، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعود مرضى أهل الكتاب، ويتصدق عليهم، بل كان له جيران من أهل الكتاب يتعاهدهم ببره، ويهديهم الهدايا، ويتقبل هداياهم، وإن من أبرز صور سماحته وتسامحه صلى الله عليه وسلم أنه قبل الجاريةَ هدية من المقوقس عظيم القبط، فتزوجها وولدت له إبراهيم، وحفظ لأهل مصر الأقباط هذا النسب الذي ارتبط به معهم فعن أبي ذر الغفارى رضي الله عنه قال.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما” وفى رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم ” إنكم ستفتحون مصر، وهى أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحما” أو قال صلى الله عليه وسلم ” ذمة وصهرا” وفي حديث كعب بن مالك رضي الله عنه مرفوعا، قال صلى الله عليه وسلم ” إذا فتحتم مصر، فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة ورحما” وقال الزهري فالرّحم أن أم نبى الله إسماعيل منهم، وقال العلماء القيراط هو جزء من أجزاء الدينار والدرهم وغيرهما، وكان أهل مصر يكثرون من استعماله والتكلم به، وأما الذمة فهي الحُرمة والحق.

 

وهي هنا بمعنى الذمام، وأما الرّحم فلكون هاجر أم إسماعيل منهم، وأما الصهر، فلكون مارية أم إبراهيم منهم، وقال ابن عبد البر رحمه الله “وكانت مارية القبطية قد أهداها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المقوقس صاحب الإسكندرية ومصر، هي وأختها سيرين، فوهب رسول الله سيرين لحسان بن ثابت الشاعر، فولدت له عبد الله بن حسان، وقد شهد بسماحة النبي صلى الله عليه وسلم وتسامحه مع أهل الكتاب كثير من المستشرقين، فها هو “جوستاف لوبون” يقول إن مُسامحة محمد صلى الله عليه وسلم لليهود والنصارى كانت عظيمة إلى الغاية، وإنه لم يقل بمثْلها مؤسسو الأديان التي ظهرت قبله كاليهودية والنصرانية على وجه الخصوص، وسار خلفاؤه على سنته.

 

وقد اعترف بذلك التسامح بعض علماء أوروبا المرتابون أو المؤمنون القليلون الذين أمعنوا النظر في تاريخ العرب” وكذلك سماحته وتسامحه صلى الله عليه وسلم مع المشركين، فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال، قيل يا رسول الله، ادعو على المشركين قال صلى الله عليه وسلم “إنى لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة” وأيضا قال العلماء، وافقهم النبي صلى الله عليه وسلم في ترك كتابة “بسم الله الرحمن الرحيم” فى صلح الحديبية، وأنه كتب “باسمك اللهم” وكذا وافقهم في “محمد بن عبد الله” وترك كتابة “رسول الله” صلى الله عليه وسلم، وكذا وافقهم في “رد من جاء منهم إلينا، دون من ذهب منا إليهم” وإنما وافقهم في هذه الأمور للمصلحة المهمة الحاصلة بالصلح.

 

مع أنه لا مفسدة في هذه الأمور، وقال العلماء والمصلحة المترتبة على إتمام هذا الصلح هو ما ظهر من ثمراته الباهرة وفوائده المتظاهرة التي كانت عاقبتها فتح مكة، وإسلام أهلها كلها، ودخول الناس في دين الله أفواجا، وذلك أنهم قبل الصلح لم يكونوا يختلطون بالمسلمين، ولا تتظاهر عندهم أمور النبي صلى الله عليه وسلم كما هي، ولا يخلون بمن يعلمهم بها مفصلة، فلما حصل صلح الحديبية اختلطوا بالمسلمين، وجاءوا إلى المدينة، وذهب المسلمون إلى مكة، وخلوا بأهلهم وأصدقائهم وغيرهم ممن يستنصحونه، وسمعوا منهم أحوال النبي صلى الله عليه وسلم مفصلة بجزئياتها، ومعجزاته الظاهرة، وأعلام نبوته المتظاهرة، وحسن سيرته، وجميل طريقته، وعاينوا بأنفسهم كثيرا من ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى