مقال

نفحات إيمانية ومع ركائز الأمن المجتمعى ” جزء 8″

نفحات إيمانية ومع ركائز الأمن المجتمعى ” جزء 8″

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

 

ونكمل الجزء الثامن مع ركائز الأمن المجتمعى، وإن أحب الأمور إلى الله عز وجل ثلاثة، وهم القصد في الجدة والعفو في المقدرة والرفق بعباد الله، وما رفق أحد بأحد في الدنيا إلا رفق الله عز وجل به يوم القيامة، وبالغ الإسلام في نبذ العنف حتى في النظرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من نظر إلى مؤمن نظرة يخيفه بها أخافه الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله” أما إذا تطاول عليه ونال منه بما يحزنه فسوف لا تنفعه كلما يقدمه ردا على ما فعله بحقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من أحزن مؤمنا ثم اعطاه الدنيا لم يكن ذلك كفارته ولم يؤجر عليه” وإن العنف ينتشر كانتشار النار في الحطب، فهو ينشأ من عمل صغير ثم يتوسع ويتعمق ويكبر.

 

فكانه لابد من مواجهته في منشاه، فإنه من كف يده عن الناس فإنما يكف عنهم يدا واحدة ويكفون عنه أيادي كثيرة، فالعنف يبدأ بيد واحدة فتتكاثر إلى أيادي كثيرة وهذا ما نلاحظه اليوم في المجتمعات التي ينتشر فيها العنف حيث يبدأ صغيرا ويصبح كبيرا لايمكن مقاومته حين ذاك، وهنا لابد من تتابع منشأ العنف وتطوره في داخل النفس الإنسانية من خلال حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “الا أنبأكم بشر الناس؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال من أبغض الناس وأبغضه الناس، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا انبأكم بشر من هذا؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال الذي لا يقيل عثرا، ولا يقبل معذرة ولا يغفر ذنبا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

“الا أنبأكم بشر من هذا؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال من لا يؤمن شره ولايُرجى خيره” وهنا يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين أيدي الباحثين مراحل تطور العنف في داخل النفس الإنسانية، فالبداية تنشأ من البغضاء فانتشارها بين الناس يوجب عدم التسامح في المجتمع وهو عنف خفيف عندما لايقيل البعض عثرات البعض الآخر ولايقبل له معذرة ولا يغفر له ذنبا ثم يتطور من عنف خفيف إلى عنف شديد عندما يتحول البغض إلى منبع للشر فلا يؤمن شره ولا يُرجى خيره، وهو مرحلة يتكامل فيه هذا المرض ويتأصل في المجتمع ليتحول من مرض نفسي إلى مرض اجتماعي ومن مرض اجتماعي إلى ظاهرة سياسية عندما يستفحل ويتحول إلى حركة ومنظمة.

 

هناك من ينفذ ومن يؤيد ومن يعين على العنف، ففي الحديث العامل بالظلم والمعين عليه والراضي به شركاء ثلاثة، والعنف كما هو واضح من أخطر ما يواجهه المجتمع ويسلب منه الأمن والإستقرار وينشر الخوف والهلع بين الناس، فجاءت دعوة الإسلام إلى التسامح إلى إقالة العثرة والزلة وقبول العذر وغفران الذنب، إلى العفو عند المقدرة والرفق بعباد الله وجعل ثمن الرفق بالآخرين الرحمة الإلهية التي تنزل عليه يوم القيامة، بينما جعل جريمة قتل إنسان واحد معادل بقتل أمة فيقول تعالى في كتابه العزيز “من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”

 

وطالما لم يسفك الرجل دما حراما فهو في مأمن من كل شيء فالدم هو النقطة الحمراء التي يجب أن لا يصله الإنسان مهما كلفه ذلك من ثمن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما” وإن المجتمعات التي ينتشر فيها التسامح لانجد للعنف إليها طريقا وهكذا كان المجتمع الإسلامي في صدر الإسلام، وعندما انتشر فيه التطرف دب فيه العنف وانتشر فيه الإرهاب إلى يومنا هذا، فمتى ما بلغ المجتمع مستوى عاليا من الرفاه والاستقرار والسكينة وعدم وجود أي نوع من أنواع المخاوف حينها يصبح هذا المجتمع آمنا قادرا على أداء مسؤولياته التي خلق من أجلها كما قال تعالى في كتابه الكريم “فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى