مقال

نفحات إيمانية ومع المسلمون وحضارة الإنسانية ” جزء 9″

نفحات إيمانية ومع المسلمون وحضارة الإنسانية ” جزء 9″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء التاسع مع المسلمون وحضارة الإنسانية، وبدء العصر الذهبي للإسلام مع بداية الخلافة الأموية وقيام أكبر إمبراطورية إسلامية شهدها العالم الدولة الأموية، حيث تأثرت الخلافة بالفرائض القرآنية وبأهم الأحاديث النبوية الشريفة مشددا على أهمية المعرفة، وخلال هذه الفترة أصبح العالم الإسلامي المركز الثقافي والفكري المنفرد في العالم للعلم والفلسفة والطب والتعليم حيث أرسخ الأمويون أسباب المعرفة ونشروا الإسلام في مناطق شتى من الشرق والغرب، وتم تأسيس الكثير دور العلم والمعرفة وجذبوا العلماء، وقد أطلق الأمويون أول عملة إسلامية هي الدينار الأموي وأسسوا أول أسطول بحري وشيدوا وأشادوا معالم إسلامية خالدة في دمشق وقرطبة والقدس والمدينة وحلب وغيرها من المدن الإسلامية.

 

وأسس الأمويون المستشفيات والمكتبات ودور العلم والعبادة والقصور، وفي العصر العباسي شيد بيت الحكمة في بغداد؛ وهو مكان سعى إليه كل من العلماء المسلمين وغير المسلمين لترجمة وجمع وخلق المعرفة من كل العالم إلى اللغة العربية، وترجمت العديد من الكتب إلى اللغة العربية ومن ثم ترجمتها إلى اللغة التركية والفارسية والعبرية واللاتينية، خلال تلك الفترة كان العالم الإسلامي قدر من الثقافات التي جمعت وألفت وحسنت وطورت الأعمال المجمعة من الحضارات الصينية والفارسييون والمصريون وشمال أفريقيا والإغريقية والإسبانية والصقلية والبيزنطية، كانت العائلات الحاكمة الإسلامية الأخرى في تلك الفترة مثل الفاطميين في مصر والأمويين في دمشق والأندلس.

 

مراكز ثقافية وفكرية لها مزدهرة مثل دمشق وقرطبة والقاهرة، ساعدت الحرية الدينية في خلق حضارة ثقافية متقاطعة حيث أن الحضارة الإسلامية جذبت المثقفين المسلمين والمسيحيين واليهود الأمر الذي ساعد في خلق أعظم فترة فلسفية إبداعية في العصور الوسطى وذلك خلال الفترة ما بين القرن الثاني عشر والثالث عشر ميلادي، وكان أهم الاختراعات في تلك الفترة كانت الورق والذي كان فيما سبق سرا يحافظ عليه الصينيون، تم أخذ سر صناعة الورق من أسرى حرب وقعوا أسرى في يد المسلمين بعد معركة تالاس سنة سبعمائة وواحد وخمسين ميلادى مما أدى إلى تأسيس مصانع الورق في سمرقند، ومع حلول سنة تسعمائة ميلادي كان هناك المئات من المحلات التي اشتغلت بالكتب والنسخ.

 

وكما بدأ تأسيس المكاتب العامة، وكما تم تأسيس أول المكاتب التي تعير الكتب، ثم انتقلت صناعة الورق إلى فاس ومن ثم الأندلس في العصر الأموي ومن هناك إلى أوروبا وذلك في القرن الثالث عشر ميلادي، فإن الإسلام هذا الدين الحق هو الذي أرسى الله تعالى به قواعد الحضارة المُثلى، وأقام به ركائز ومقومات النهضة الكبرى، التي سعدت في ظلالها الأمم والشعوب، والأفراد والجماعات في ماضي الأيام، تلك الحضارة التي أسفرت آثارها عن جمال وجهها، وجلال غايتها، ورقي منازلها، وإن السمو الحضاري في هذا الدين لتتضح معالمه، وتستبين قسماته، وتتجلى خصائصه بالنظر المتأمل في ركائزها وأسسها، ففي نطاق المعتقد عبودية كاملة لله وحده، ونبذ لعبودية الأرباب من دونه في مختلف صورها وألوانها.

 

وفي تعبيد العباد لله ربهم وهدم عبودية الأرباب من دونه انتهاض عقدي، وارتقاء عقلي، وكمال نفسي، يُبتنى عليه أساس البناء الحضاري الراسخ للأمة إذ إنه يجعل عُمدة الالتقاء وآصرة الاجتماع هو سبب التكريم، ومنشأ التمييز المعتقد الصحيح والتقوى، لا العنصر أو اللون أو القوم أو الأرض، وفي نطاق العلم عناية فائقة، ورعاية ظاهرة للعلم وأهله في جميع ميادين العلم النافع لأنه لا يستوي مَن يعلم ومَن لا يعلم، ورفع الله سبحانه وتعالى الذين أوتوا العلم مقاما عليّا، ولم تقم في هذه الحضارة خصومة بين الدين والعلم مطلقا لأن العلم الصحيح رديف الوحي في تثبيت الهداية والإرشاد إلى الصراط المستقيم، ولذا كان أثر هذا العلم في القلوب مطمح أولي الأبصار، ومقصد الراسخين في العلم، ومبتغى أهل الصدق والإخلاص، وذلك هو خوف الله وخشيته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى