مقال

الدين السياسي يلغي الدولة…

الدين السياسي يلغي الدولة…

كتب / يوسف المقوسي

 

لا بدّ لكل جماعة تشكّل مجتمعا من دولة. في غالب الأحيان يتشكّل المجتمع في إطار الدولة. فهي سابقة زمنيا في حدوثها على المجتمع. يتنوّع كل مجتمع لما فيه من تعدد الإثنيات والمذاهب والقبائل، مما يشكّل عوامل نابذة للسلطة المركزية. لكن المجتمع يكسب قوامه بالدولة فقط. الدولة شرط لما عداها ولا شرط عليها. هي وعاء انتظام المجتمع المانع للفوضى أو العشوائية. تكون الفوضى عندما لا يكون للمجتمع رأس. تكون العشوائية عندما يكون للمجتمع رأس لكنه ضعيف البصر والبصيرة. في الدولة الحديثة تتقيّد الدولة بالدستور، ويتقيّد المواطنون بالقانون. يصبح الأفراد مواطنين عندما يشاركون في وضع القوانين والدستور. يعودون رعايا عندما يفقدون هذا الحق. لا بدّ للدولة الحديثة أن تنغرز في وعي المواطنين، فتكون ولاية المجتمع على نفسه، أو ما يسمى ولاية الأمة على نفسها، كما يقول بعض فقهاء السنة والشيعة. لا تكون ولاية الأمة على نفسها عندما يقبض الاستبداد على زمام السلطة ويلغي مشاركة المواطنين، أو عندما يفرض دعاة الشريعة تفسيرهم لها على الدولة والقانون ويسمون ذلك تطبيق الشريعة، في حين أنه تطبيق وجهة نظر لطرف من أطراف المجتمع على الآخرين.

 

كل دولة مصطنعة لأنها من صنع الإنسان. كل دولة يدعي أصحابها أنها إلهية هي في الحقيقة دولة صنعها بشر يدعون لأنفسهم سلطة منحهم الله اياها. كل دولة تنشأ في الأصل بالغلبة. يفرضها بعض سكانها من الطبقة العليا، أصحاب القوة والقدرة على القسر والإكراه. أو تنشأ الدولة نتيجة قرارات تتخذها سلطة أجنبية، أيام الاحتلال، ثم تتحرر بطريقة أو باخرى. وتصبح مع مرور الزمن دولة أرادها سكانها. لا تنشأ الدولة بعقد اجتماعي؛ ينشأ العقد الاجتماعي بعد نشوء الدولة بالغلبة. فتنال الشرعية برضى أهلها بها. هذا الرضى هو أساس الشرعية. لا شرعية إلا ما يمنحها المواطنون، لا الرعايا، لدولتهم. مع هذه الشرعية تصبح الدولة إطارا ناظما للمجتمع؛ تنغرز في وعي المواطنين. وفي الحالة المثلى يصبح المواطنون هم الدولة.

 

الدين السياسي، سواء كان إسلامياً يلغي الدولة. أي يسحب منها الشرعية. إذ يتشكل حينها المجتمع من أحزاب لا من أفراد. الحزبية شكل من أشكال الاستبداد، إذ تفرض على الأفراد الإنتماء لجماعة غير الدولة. لا حق لحزب، مهما كان، على الدولة. حق الدولة على الأحزاب هو أن تلغي نفسها. أو ينحصر دورها في تأدية الطقوس الدينية. يُخرَج الدين من المجتمع السياسي، ويصبح خارج الدولة. مكونات المجتمع هم الأفراد لا الأحزاب. ينوب الأفراد المنتخبون وحدهم عن الناس في البرلمان، ولا تنوب الأحزاب، لأنها مهما كانت لا بدّ أن تتنازع على الحصص وتعتبر الدولة مصدراً للغنائم وعلى الآخرين أن يؤدوا ما عليهم (ضرائب)، لتنهبها الأحزاب، أو أكباشها، في كيان حيث يحل الحزب مكان الدولة. ما يُسمى الميثاق الوطني وهم كبير إذ تطغى سلطة الحزب مكان العقد الاجتماعي. تطغى الحزبية على الفرد فتصادره منذ أن يولد. وتطغى على الدولة لتجعل منها مصدراً للغنائم. الحزبية في فلسطين استبداد مزدوج. الأول بسط “كبش” الحزبية (أو أكباشها) السلطة على أبنائها. الثانية استبداد الحزب أو الحركة بالدولة. اذ تستطيع أي منهم عرقلة عمل السلطة بوضع فيتو، وعرقلة أي تقدم

أساسي للسلطة. فإذا كانت هذه تغني الانتظام، فإن تلك، النزاع المسلح حينا والسلمي حينا آخر وشبه المسلّح (تهديد بالسلاح على الدوام)، والتوتر الدائم بين الانتظام والنزاع، يهدد بالخطر الفلسطينيين ويبقيهم على حالة من القلق الدائم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى