مقال

نفحات إيمانية ومع رفاعة بن شداد الأنماري “جزء 2”

نفحات إيمانية ومع رفاعة بن شداد الأنماري “جزء 2”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى مع رفاعة بن شداد الأنماري، فأتى فأخذ الراية وقاتل مليا ثم قال لأصحابه من أراد الحياة التي ليس بعدها موت والراحة التي ليس بعدها نصب، والسرور الذي ليس بعده حزن، فليتقرب إلى الله بقتال هؤلاء المحلين، والرواح إلى الجنة، وذلك عند العصر، فحمل هو وأصحابه فقتلوا رجالا وكشفوهم، ثم إن أهل الشام تعطفوا عليهم من كل جانب حتى ردوهم إلى المكان الذي كانوا فيه، وكان مكانهم لا يؤتى إلا من وجه واحد، فلما كان المساء تولى قتالهم أدهم بن محرز الباهلي فحمل عليهم في خيله ورجله، فوصل ابن محرز إلى ابن وال وهو يتلو قول الحق “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا” فغاظ ذلك أدهم بن محرز فحمل عليه فضرب يده فأبانها ثم تنحى عنه وقال إني أظنك وددت أنك عند أهلك.

 

فقال ابن وال بئس ما ظننت، والله ما أحب أن يدك مكانها إلا أن يكون لي من الأجر مثل ما في يدي ليعظم وزرك ويعظم أجري، فغاظه ذلك أيضا، فحمل عليه وطعنه فقتله وهو مقبل ما يزول، وكان ابن وال من الفقهاء العباد، فلما قتل أتوا رفاعة بن شداد البجلي وقالوا له لتأخذ الراية، فقال ارجعوا بنا لعل الله يجمعنا ليوم شرهم، فقال له عبد الله بن عوف بن الأحمر هلكنا والله ، لئن انصرفت ليركبن أكتافنا فلا نبلغ فرسخا حتى نهلك عن آخرنا، وإن نجا منا ناج أخذته العرب يتقربون به إليهم فقتل صبرا، وهذه الشمس قد قاربت الغروب فنقاتلهم على خيلنا ، فإذا غسق الليل ركبنا خيولنا أول الليل وسرنا حتى نصبح ونسير على مهل، ويحمل الرجل صاحبه وجريحه ونعرف الوجه الذي نأخذه، فقال رفاعة نعم ما رأيت، وأخذ الراية وقاتلهم قتالا شديدا.

 

ورام أهل الشام إهلاكهم قبل الليل فلم يصلوا إلى ذلك لشدة قتالهم، وتقدم عبد الله بن عزيز الكناني فقاتل أهل الشام ومعه ولده محمد وهو صغير، فنادى بني كنانة من أهل الشام وسلم ولده إليهم ليوصلوه إلى الكوفة، فعرضوا عليه الأمان، فأبى ثم قاتلهم حتى قتل، وتقدم كرب بن يزيد الحميري عند المساء في مائة من أصحابه فقاتلهم أشد قتال، فعرض عليه وعلى أصحابه ابن ذي الكلاع الحميري الأمان، وقال قد كنا آمنين في الدنيا وإنما خرجنا نطلب أمان الآخرة، فقاتلوهم حتى قتلوا، وتقدم صخر بن هلال المزني في ثلاثين من مزينة فقاتلوا حتى قتلوا، فلما أمسوا رجع أهل الشام إلى معسكرهم، ونظر رفاعة إلى كل رجل قد عقر به فرسه وجرح فدفعه إلى قومه ثم سار بالناس ليلته، وأصبح الحصين ليلتقيهم فلم يرهم، فلم يبعث في آثارهم.

 

وساروا حتى أتوا قرقيسيا، فعرض عليهم زفر الإقامة، فأقاموا ثلاثا، فأضافهم ثم زودهم وساروا إلى الكوفة، ثم أقبل سعد بن حذيفة بن اليمان في أهل المدائن فبلغ هيت، فأتاه الخبر، فرجع فلقي المثنى بن مخربة العدوي في أهل البصرة بصندوداء فأخبره، فأقاموا حتى أتاهم رفاعة فاستقبلوه، وبكى بعضهم إلى بعض وأقاموا يوما وليلة ثم تفرقوا، فسار كل طائفة إلى بلدهم، ولما بلغ رفاعة الكوفة كان المختار محبوسا، فأرسل إليه، أما بعد فمرحبا بالعصبة الذين عظم الله لهم الأجر حين انصرفوا ورضي فعلهم حين قتلوا، أما ورب البيت ما خطا خاط منكم خطوة ولا ربا ربوة إلا كان ثواب الله له أعظم من الدنيا، وإن سليمان قد قضى ما عليه وتوفاه الله وجعل وجهه مع أرواح النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ولم يكن بصاحبكم الذي به تنصرون.

 

إني أنا الأمير المأمور، والأمين المأمون، وقاتل الجبارين، والمنتقم من أعداء الدين، المقيد من الأوتار، فأعدوا واستعدوا وأبشروا، أدعوكم إلى كتاب الله، وسنة نبيه، والطلب بدم أهل البيت، والدفع عن الضعفاء، وجهاد المحلين، والسلام، ولما سمع عبد الملك بن مروان بقتل سليمان وانهزام أصحابه صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال، أما بعد فإن الله قد أهلك من رءوس أهل العراق ملقح فتنة ورأس ضلالة سليمان بن صرد، ألا وإن السيوف تركن رأس المسيب خذاريف، وقد قتل الله، منهم رأسين عظيمين ضالين مضلين، عبد الله بن سعد الأزدي، وعبد الله بن وال البكري، ولم يبق بعدهم من عنده امتناع، وفي هذا نظر، فإن أباه كان حيا، قال أعشى همدان في ذلك، وقيل بعث المختار بأبي القلوص ومعه جماعة من شبام، فدخلوا الجبانة.

 

وهم ينادون يا لثأرات الحسين ونادى أيضا أصحاب ابن شميط وابن كامل يا لثأرات الحسين وحملوا فلم يلبثوا أن هزموا من بجبانة السبيع فلما هزمت مضر واليمن تفرقت ربيعة، وكل من اعتزى إلى اليمن ومضر، ويقال بل أتى أولئك أصحاب المختار فقاتلوهم أيضا قتالا خفيفا حتى تفرقوا، وقال قوم بل قاتل يومئذ بجبانة السبيع رفاعة بن شداد البجلي مع المختار، وهو يقول أنا ابن شداد على دين علي، لست لعثمان بن أروى بولي، لأصلين اليوم فيمن يصطلي، بحر نار الحرب غير ملتوي، وقال آخرون أنه قاتل يومئذ مع أهل الكوفة فقتل، ويقال إنه بقي بعد المختار وقال رفاعة بن شداد كنت أقوم على رأس المختار، فلما عرفت كذابته هممت وأيم الله أن أضرب عنقه، فذكرت حديثا حدثنيه عمرو بن الحمق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ” من أمن رجلا على نفسه فقتله أعطي لواء غدر يوم القيامة ” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى