مقال

هل فات زمن الغضب ؟

هل فات زمن الغضب ؟

كتب / يوسف المقوسي

 

لا تقل وداعا قف وتأمل زمنك المهشم إنه فرصتك الأخيرة. هذا كل ما تبقى لك. إنه المنطفىء. الأمكنة مقفلة. الهروب معدوم. أمامك الهاوية التي ستتهشم وأنت تفقد خطواتك. إنس أنك إنسان. قبلت أن تكون حجر نرد، أو ورقة قمار، أو حصاناً في رهان، أو وعاء يسمى رسمياً وطناً. أخرج من أوهامك. اقذفها بحذائك. أنت لم تكن في وطن يوماً. كنت دائماً على درج هابط إلى الأسفل كنت كأنك لم تكن. شبّه لك أنك مواطن. أرقى ما بلغته في مسيرتك أنك كنت مسماراً في حذاء زعيم حقير، لا يصوم عن الإرتكاب. كل خطوة إلى الأمام كانت إنحناءة إلى الخلف. إذا قررت إحصاء تجاربك البريئة أو البذيئة، ستكتشف أنك كنت مصمماً لتكون إنساناً بنسبة مقبولة. عبث، كنت الغد. فلسطينك، ليس لك ولست له ولست منه. سيأتي الوقت لتصدق أنك كنت بلا دولة بالمطلق. ما كان يمكن لعصابات أن تنجح إلا في غزواتها التنظيمية. باهظاً كان دمك في معاركهم. تركوك جثة حية موعودة بختم الخضوع.

 

لا تقل وداعاً. الوقت توقف. لا أمل في استعادة “أمجاد” الذكريات والعقائد. فلسطين ، تناوب عليها مغتصبوها، وتركوك، وتركونا، كأولاد زنى. ومن شذ وعصا، إتهم وعوقب وأذل ودفع إلى العبث. نحن اليوم شعب بالمقلوب. أو، لم نكن مرة شعباً. دائماً، كان “المواطن” مطارداً ومطروداً. أغدقت نِعم السلطة والمال لسكان الأقفاص التنظيمية المتعددة والمتكاثرة. لا جدوى للحبر أبداً، إلا إذا استهل للبصمة. إعترف أنك كنت بريئاً جداً، وأنهم إغتالوا براءتك، عندما زجوك في خانة الكراهية والحقد والإنحياز والإصطفاف والإرتزاق… لا تلم نفسك كثيراً، هذا البلد لم يكن بقياس أحلامك أبداً. إنه منذور للإنحطاط ومخططات البيع والشراء والبلص والإرتهان. حكامه طاردوا الوطن فيه، وحازوا على فلول من الناس، وأذابوهم في عقيدة المذهب والعشيرة والدين والتنظيم والشركة و”الحزب” و”التيار”. أخذوك إلى كل الدول. باعوك واشتروك. صادقوا الأعداء، ثم عادوا الأصدقاء. إنهم أنكح الإنتهازيين. ولا واحد منهم ينتمي إلى فلسطين . تحت قبعة كل زعيم، صورة زعيم عربي أو أوسطي أو تركي أو إقليمي أو خليجي.

 

وهي صور قابلة للتلف والتجديد. بإمكانك أن تختصرهم بما يلي: إنهم ينتمون بالشكل فقط إلى الجنس البشري. وأنت الموجود الممتلئ إحساساً وشوقاً وعشقاً وطموحاً، لست شيئاً بالمطلق. كي يعترفوا بك، يجب ألا تكون موجوداً. إكتفي بوجودهم. أطعهم. إمضي خلفهم. أنت رقم في حساباتهم السياسية السافلة.

 

أطلَّ الآن من نافذتك. هل عرفت في حياتك مشاهد الذل هذه؟ هل شاهدت مرة في مناماتك المدهشة أنك ستفيق غداً وبعده، وعلى مدى شهور، وتكون البلد مزبلة. مزبلة من فوق أولاً ومزابل في كل موقع؟ هل ذهب بك تشاؤمك إلى حد أن جماعة ستجثوا على صدور الفلسطينيين، كل الفلسطينيين، بإستثناء لصوص المال والدين والسياسة؟ هل إرتسم في لا وعيك أنك ستصبح متسولاً لرغيف، ، لأرز، لدواء، لهواء، لكل ما هو أساسي لوجودك البيولوجي. أظنك لست من الأنبياء، مثلنا جميعاً. وحدهم الأنبياء المفقودون، كانوا يعرفون أن أبواب الجحيم ستفتح، فيما قراصنة السياسة والمال والدين، مختلفون على “تأليف” مجموعة مغامرين على طاولة القمار السياسية… السياسة لعبة قمار وغش وتهميش.

 

ثم، ألم تسأل نفسك لماذا هذه الأحقاد الباهظة بين الفلسطينيين؟ بلى من يستند دائماً إلى ماضيه الدموي، يظل مستعداً ومتسفزاً وعدوانياً. أين تجدون قلوباً متحجرة وعقولاً سامة، ترى أن شعبها يعاقب منهم، لأنهم لم يحاسبوهم؟ حجم الكراهية المتبادلة بين “السياسيين”، عباقرة التفليسة الأخيرة، لا يقاس إلا بحجم الغنائم فقط، وبرغم إحتقارهم لبعضهم، لا يمكنهم أن يمارسوا الطلاق لأن وجود هذا مستمد من وجود ذاك. الكراهية، هي لتوزيعها على “الأنصار” والأتباع. “الصلح سيد الأحكام”، عندما يكونون معاً في مجلس الوزراء، ومجلس النواب، والقضاء، والعسكر، والـ… والـ… كل مفاصل “السلطة” المهركلة والمفلسة.

 

فات زمن الغضب. الناس تحتفي بدموعها والفقدان. كان يجب أن يكون الكائن الفلسطيني مختلفاً عما كان. قلة، صارت أقل في ما بعد، راهنت على وطن، على مواطن، على ديمقراطية، على ريادة، على ثقافة، على عدالة، على إنتاج، على عمل وعلى… وعلى…. خسرت كل ذلك. تفوقت عليها ذئاب الأحزاب المعلوفة جيداً والمطيعة جداً والمستعدة لكل الموبقات.

 

لا. ليس هذا ما جنته يداك. هذا من صنع قبضاتهم المدربة على الغدر والسرقة والفوز بالغنيمة. أنت بريء جداً. إذاً، لا وطن لك. لا بلد لك. لا إقامة لك. لا كرامة لك، لا عدالة لك… ليس لك إلا ما يعطى لغيرك أولاً، ثم لك أخيراً.

 

حالياً، فلسطين تختفي. هناك فلسطين الذي تشبه الشرطوطة الممزقة، والذي سيعاد تسميتها لاحقا لإسم( الله أعلم.)

 

الآن، بعد كتابة هذه الأسطر القليلة، غيرت رأيي. لذا، قل وداعاً. ما حدث فاجعة. ما سيحدث: سيعاقب الأبرياء، ويتسيّد الأسياد. الكلفة عندهم ليست باهظة أبداً. إنهم مستعدون لإقامة بلد أكثر سوءاً من الماضي. المستقبل البشع أمامنا. هذه هي جائزتهم الفضلى.

 

لذا، قل وداعاً، وقرر الإنتماء الحاسم والفاصل للمستقبل بصيغة وطن.

 

هل هذا مستحيل؟

 

إن الرهان على هذا المستحيل أقل كلفة من البقاء في هذا الماخور السياسي وهذا الإصطبل التنظيمي.

 

لذا، مرة أخرى، قل وداعاً… ومرحبا. سنصنع فجراً بدموعنا ودمائنا وقيمنا. المستقبل قلعتنا التي تستحق أن نقاتل من أجلها. هذه فرصة لرسم مسار لنهايتهم، ولو بعد زمن. إن الأمام ليس فارغاً. نحن سنكون فيه. الرهان صعب، ولكنه يستحق المجازفة الشريفة.

 

هل هذا الكلام بلا معنى؟

 

ربما. لكنه أكثر صدقاً من ممتهني الكوارث ومتسلقي العفونة.

 

يلزم ألا نخاف منهم. يلزم أن نخيفهم. الوقت مناسب للبدايات. الهزائم تنجبها المعارك. لا تدعوهم ينامون على ريش نعام. هزوا كل شيء يخصهم ولا تخافوا منهم إن كنتم تقدسون الحرية. الأحرار غيّروا التاريخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى