مقال

نفحات إيمانية ومع الإحسان إلى الجار ” جزء 4″

نفحات إيمانية ومع الإحسان إلى الجار ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع الإحسان إلى الجار، ولنا وقفه مع قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “لا ضرر ولا ضرار” ولأن هذا إضرار بجيرانه، فمنع منه، كالدق الذي يهز الحيطان وينثرها، وكسقي الأرض الذي يتعدى إلى هدم حيطان جاره، أو إشعال نار تتعدى إلى إحراقها، قالوا هاهنا تعدت النار التي أضرمها، والماء الذي أرسله، فكان مرسلا لذلك في ملك غيره، فأشبه ما لو أرسله إليها قصدا، قلنا والدخان هو أجزاء الحريق الذي أحرقه، فكان مرسلا له في ملك جاره، فهو كأجزاء النار والماء، وأما دخان الخبز والطبيخ، فإن ضرره يسير، ولا يمكن التحرز منه، وتدخله المسامحة، فإن التشريعات في ديننا والوصايا في إسلامنا تبدأ بتحقيق التوحيد، وحُسن العبادة.

 

ومتانة العلاقات، وصفاء الصلات، وهى الرابطة الإسلامية والأخوة الإيمانية هي لب الدين، ولباب المشاعِر، يحيا بها المسلم ويحيا لها، عقيدة وشعائر وصلات يأخذ بعضها برقاب بعض، وقيل أن من أحكام الملك التام أنه يعطي المالك ولاية التصرف في المملوك على الوجه الذي يختار، كما يمنع غيره من التصرف فيه من غير إذنه ورضاه، وهذا لا يكون إلا عندما يخلو الملك من أي حق عليه للآخرين، ولكن هذا الحكم قد يقيد بسبب الجوار لتجنب الإضرار بالجار، وقد اختلف الفقهاء في تقييد الملك لتجنب الإضرار بالجار، فذهب المالكية والحنابلة والحنفية فيما عليه الفتوى عندهم إلى أن المالك لا يمنع من التصرف في ملكه إلا إذا نتج عنه إضرار بالجار.

 

فإنه يمنع عندئذ مع الضمان، لما قد ينتج من الضرر، وقيد الحنفية والمالكية الضرر بأن يكون بيَّنا، وحد هذا الضرر عندهم، أنه كل ما يمنع الحوائج الأصلية يعني المنفعة الأصلية المقصودة من البناء كالسكنى، أو يضر بالبناء أي يجلب له وهنا، ويكون سبب انهدامه، وقد ذهب الشافعية إلى أن كل واحد من الملاك له أن يتصرف في ملكه على العادة في التصرف، وإن تضرر به جاره أو أدى إلى إتلاف ماله، كمن حفر بئر ماء أو حش فاختل به جدار جاره، أو تغير بما في الحش ماء بئره، لأن في منع المالك من التصرف في ملكه مما يضر جاره ضررا لا جابر له، فإن تعدى بأن جاوز العادة في التصرف ضمن ما تعدى فيه لافتياته، والأصح أنه يجوز للشخص.

 

أن يتخذ داره المحفوفة بمساكن حماما وطاحونة ومدبغة وإصطبلا وفرنا، ودكانا ونحو ذلك، كأن يجعله مدبغة، إذا احتاط وأحكم الجدران إحكاما يليق بما يقصده، لأنه يتصرف في خالص ملكه وفي منعه إضرار به، والثانى المنع للإضرار به، وأما إذا تسبب الجيران من الازعاج والضوضاء، واستعمال مواد كيميائية ضارة ومؤذية، وتعريض حرمة البيت لنظر العمال، وحركة الحيوانات المزعجة المانعة من النوم في الليل والنهار، فكل هذا نراه ضررا غير معتاد تجب إزالته، وتحرم أذية الجار به، وقد تأكد هذا بصدور قرار الإغلاق من الجهات المختصة، وقد نص كثير من الفقهاء على المنع من مثل ذلك، وخصوصا في مذهب المالكية، وتجد ذلك عند قول خليل مختصره.

 

وبمنع دخان، كحمَّام، ورائحة كدباغ، وأندر قبل بيت، ومُضر بجدار، وإصطبل أو محل أو دكان قبالة باب، وقد عقد ابن فرحون في كتابه تبصرة الحكام، فصل كامل في نفي الضرر وسد الذرائع، ومما قال فيه أما الضرر فمثل ما يحدث الرجل في عرصته مما يضر بجيرانه من بناء حمام، أو فرن للخبز، أو لسبك ذهب أو فضة، أو كير لعمل الحديد، ويمنع الرجل من إحداث إصطبل للدواب عند باب جاره بسبب بولها، وزبلها، وحركتها ليلا ونهارا، ومنعها الناس من النوم، وكذلك الطاحون، وكير الحداد، وشبهه، فلا شك أن أذية المسلم من الأمور المحرمة التي يجب الابتعاد عنها، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أذية المسلم، واحتقاره، فقال صلى الله عليه وسلم” سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر” رواه البخارى ومسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى