مقال

السيدة ميمونة بنت الحارث “جزء 4”

السيدة ميمونة بنت الحارث “جزء 4”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع السيدة ميمونة بنت الحارث، ويبدو أن العباس أيضا لم يكتم الأمر عن ابن أخيه فأفضى إليه بأمنية ميمونة بنت الحارث، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابن عمه جعفر بن أبي طالب ليخطبها له، وما أن خرج جعفر رضي الله عنه من عندها، حتى ركبت بعيرها وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أن وقعت عيناها عليه صلى الله عليه وسلم حتى قالت “البعير وما عليه لله ورسوله” وهكذا وهبت ميمونة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وفيها نزل قوله تعالى “وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين” ولقد جعلت ميمونة أمرها إلى العباس بن عبد المطلب، فزوجها لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وقيل أيضا أن العباس قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم “إن ميمونة بنت الحارث قد تأيمت من أبي رهم بن عبدالعزى،هل لك أن تتزوجها؟” فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة ثلاثة أيام، فلما أصبح اليوم الرابع، أتى إليه صلى الله عليه وسلم، نفر من كفار قريش ومعهم حويطب بن عبدالعزى، الذي أسلم فيما بعد، فأمروا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يخرج بعد أن انقضى الأجل وأتم عمرة القضاء والتي كانت عن عمرة الحديبية، فقال صلى الله عليه وسلم “وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم، فصنعت لكم طعاما فحضرتموه” فقالوا “لا حاجة لنا بطعامك، فأخرج عنا” فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وخلف مولاه أن يحمل ميمونة إليه حين يمسي، فلحقت به ميمونة إلى سرف، وفي ذلك الموضع بنى الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه البقعة المباركة، ويومئذ سماها الرسول صلى الله عليه وسلم ميمونة بعد أن كان اسمها برة، فعقد عليها بسرف بعد تحلله من عمرته وكان ذلك لما روي عنها أنها قالت “تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف” وهنا تثار قضية بين علماء التراجم والسير، وهي خلافهم في الحال التي تزوج فيها النبي صلى الله عليه وسلم بالسيده ميمونة وهل كان زواجه بها حال إحلاله أم حال إحرامه، فابن عباس رضي الله عنه كان يرى أنه تزوجها وهو محرم، بينما تروي لنا ميمونة نفسها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تزوجها وهي حلال.

 

وكما روى ذلك الإمام مسلم، وقد رجّح العلماء روايتها لعدة اعتبارات ليس هذا موطن بسطها، وبعد أن أنهى النبي صلى الله عليه وسلم، عمرته أراد أن يعمل وليمة عرسه في مكة ، وإنما أراد تأليف قريش بذلك، فأبوا عليه، وبعثوا إليه حويطب بن عبد العزى بعد مضي أربعة أيام يقول له ” إنه قد انقضى أجلك فاخرج عنا ” فأمر النبي صلى الله عليه وسلم، أبا رافع فنادى بالرحيل، فخرج إلى سرف، وهو موضع قرب التنعيم يبعد عن مكة عشرة أميال، وبنى بها، وكان عمرها عندئذ سته وعشرين سنة ، وعمره صلى الله عليه وسلم، تسعه وخمسين سنة، وقد أولم عليها بأكثر من شاة ، وأصدقها أربعمائة درهم، وقيل بخمسمائة درهم، وقيل أنه كان اسمها في السابق بَرّة فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ميمونة،

 

وكان شأنها في ذلك، هو شأن أم المؤمنين السيده جويرية رضي الله عنها، والتي كان اسمها برّة ، فغيّره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جويرية، وكانت السيده رضي الله عنها من سادات النساء ، مثلا عاليا للصلاح ورسوخ الإيمان، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يبيت عندها أحيانا في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكسب علما، وأدبا، وخلقا، ويبثه بين المسلمين، ومن ذلك قوله رضي الله عنهما ” بتُّ ليلة عند ميمونة بنت الحارث خالتي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها في ليلتها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصلي من الليل، فقمت عن يساره، فأخذ بشعري ، فجعلني عن يمينه، فكنت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني، فصلى إحدى عشرة ركعة، ثم احتبي حتى إني لأسمع نفَسه راقدا، فلما تبين له الفجر صلى ركعتين خفيفتين” رواه البخاري ومسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى