مقال

الدكرورى يكتب عن بيت العنكبوت ” جزء 1″ 

الدكرورى يكتب عن بيت العنكبوت ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــــرورى

 

إن القاعدة الكبرى في تحقيق سعادة المجتمع وضمان استقراره، والركيزة العظمى في إشادة حضارة الأمة وبناء أمجادها، تكمن بعد عقيدتها وإيمانها بربها سبحانه وتعالى، في نسيجها الاجتماعي المترابط، ومنظومتها القيميه المتألقة، التي تنظم عواطف الود المشترك والحب المتبادل والتضامن المُشاع والصلة المستديمة، في بعد عن الضغائن والبغضاء، وغوائل التقاطع والجفاء، وإثارة الأحقاد والشحناء، وإن من المظاهر أو الظواهر التي تهدد كيان الأسرة والتي تعصف بكثير من الأسرة المسلمة وتدمرها تدميرا، هى ظاهرة ما يعرف بالتفكك الأسرى، وهذه الظاهرة هى التي تتفشى يوما بعد يوم، وتزداد عاما بعد عام، وتؤدي إلى دمار كثير من الأسر، وفي أقل الأحوال تؤدي إلى إضعاف الدور الذي من المفترض أن الأسرة وجدت لأجله.

 

وهو التربية، وتنشئة الأجيال، وبناء الأمة، وأعنى بالتفكك هو ضعف العلاقة بين أفراد الأسرة، وحصول الاضطرابات والتوترات، والمشاكل فيما بينهم البين، وضعف الرابطة والعلاقة التي تجمعهم وتربطهم، وهذه الظاهرة وهى ظاهرة التفكك لها كثير من الصور، ولها كثير من المظاهر في الواقع، ومن هذه المظاهر وأشدها، هى ظاهرة الطلاق، وهذه الظاهرة التي صارت تئن منها كثير من المجتمعات، فالطلاق هو الفراق بين الزوجين، وإنهاء عقد الزوجية الذي يربط بينهما، وإن هذا الطلاق هو دمار نهائي للأسرة يشتتها ويفرقها، فالأب يذهب في ناحية، والأم تذهب في ناحية، والأولاد يضيعون بينهما، وبعض الأولاد ربما يكون مع الأب، وبعضهم مع الأم، وربما ذهبوا جميعا من الأم، وهذا له آثاره الخطيرة، وآثاره السلبية على هؤلاء الأولاد.

 

وعلى بناء المجتمع ككل، وإذا تكلمنا عن التفكك الأسرى فسوف نتذكر العنكبوت، والعنكبوت هو حيوان صغير وذكره يدعي عنكب أما أنثاه فهي العنكبوت، وهي التي تبني البيت وتصل عدد الخيوط إلى ربعمائة ألف خيط وطول الخيط الواحد عشرين سنتيمتر، وللعنكبوت ثمانية أرجل وأربعة أزواج من العيون، وتستخدم الخيوط للقبض على فرائسها وخيوطه تعتبر من أقوى الألياف الطبيعية، وليست لها أجنحة ولا أعضاء للمضغ، وهي لا تنتمي إلى صف الحشرات بل إلى العنكبيات وهو فرع من المفصليات، وهي بذلك ذات صلة قرابة مع العقارب والقراد، وبعض الحيوانات المفصلية البحرية، وفصيلة العناكب منتشرة ومتنوعة، وهى تعيش في جميع المناخات، وعلى مستوى كل الارتفاعات، ويوجد منها حوالي خمسمائة نوعا بالمغرب.

 

وهى لا تسبب أذى للإنسان، باستثناء بعض الأنواع ومن أشهرها الأرملة السوداء، فالعناكب، وإن كانت مخلوقات غير محبوبة لدى الإنسان، إلا أنها صديقة له، بل وذهب البعض إلى حد القول بأنه لولاها لما كان للإنسان مستقر على الأرض، وذلك لأنها تقضي معظم وقتها في اصطياد الحشرات والفتك بها، فلولاها لتكاثرت الحشرات وأتت على الأخضر واليابس، وإن معظم العناكب لها أربعة أزواج من العيون تقع أعلى الجبهة من مقدمة الرأس، وتمتلك العناكب جسما مقسما إلى جزأين بدلا من ثلاثة بالمقارنة مع الحشرات، وثمانية أرجل عوضا عن ستة، وبهذا فهي لا تتبع للحشرات بالتصنيف، وتمتاز العناكب بالتنوع اللوني الكبير، وهذا يساعد على حصرها ضمن عائلات محددة، فبعضها يمتلك أجساما داكنة اللون تنتشر عليها بُقع زاهية.

 

مثل العنكبوت الغازل المداري، وهناك عائلة أخرى تمتلك بطونا بنية اللون، أو سوداء مخططة الجانبين بألوان أفتح كالعناكب الذئبية، في حين يمتلك عنكبوت الباب المسحور رأسا كبيرا لونه مختلف بالعادة عن لون بطونهم، وقد ضرب الله سبحانه وتعالى الأمثال للمشركين، فقد ضرب لهم مثلا بيت العنكبوت في ضعفه ووهنه، لأنهم اتخذوا آلهة من دون الله سبحانه وتعالى، ويرجون النصر والرزق من هذه الآلهة من غيره، فجاء تشبيههم في القرآن الكريم ببيت العنكبوت لضعفه ووهنه، ولا ينالون من آلهتهم شيئا كمن يرجو القوة من بيت العنكبوت ويتمسك به، وهذا بخلاف المؤمن بالله سبحانه وتعالى، المتمسك بالعروة الوثقى وبالدين، وأن الله سبحانه وتعالى يعلم شركهم وسيجزيهم به وأنه حكيم عليهم، وقد قال الله عز وجل “وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى