مقال

الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة الطائف ” جزء 8″

الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة الطائف ” جزء 8″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثامن مع الرسول في غزوة الطائف، وهنا يأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، القرار الصعب بالانسحاب إلى وادي الجعرانة حيث غنائم المسلمين، وترك حصار الحصن المنيع الطائف، وكان صلى الله عليه وسلم، في منتهى الحسم في هذا القرار، ولكن المتحمسين والعاطفيين من أبناء الجيش الإسلامي لم يستريحوا لهذا الخبر، فأتوا بسرعة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا في استنكار نذهب ولا نفتحه؟ فلما رآهم صلى الله عليه وسلم، كثرة، فقد احترم رأيهم، وأراد أن يتعلموا الدرس بصورة عملية، فقال لهم صلى الله عليه وسلم ” اغدوا على القتال” فسمح لهم بالقتال، وفي اليوم الثاني خرج المسلمون للقتال، وفي هذا اليوم بالذات أصيب المسلمون إصابات شديدة، إصابات بالغة فعلا، وقام صلى الله عليه وسلم.

 

ولم يعنفهم على القرار الذي رغبوا فيه، وإنما قال في “إنا قافلون غدا إن شاء الله ” وقد قَبِل المسلمون هذه المرة في سرور، وامتنعوا عن الجدل، واقتنعوا بعدم جدوى القتال، وبدءوا فعلا في جمع الرحال، والنبي صلى الله عليه وسلم، يضحك، فأراد صلى الله عليه وسلم، أن يعلمنا الواقعية في الحياة، فليس عجيبا أبدا أو غريبا أن تفشل في أمر من الأمور، وليس بالضرورة أن تكون كل معاركنا، أو كل مشاريعنا ناجحة، لكن المهم ألا نغرق في العمل دون إدراك الواقع أنه غير قابل للتحقيق، وليس معنى هذا سرعة اليأس، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بذل كل ما في الوسع، واستخدم كل وسيلة لفتح الحصن، ولكن الله لم يشأ، ولم ينجح المسلمون في فتحه، فقَبِل في واقعية جميلة جدا أن ينسحب، وفى هذا الموقف فقد قام النبي صلى الله عليه وسلم.

 

بتعليم الصحابة الكرام، درسا عظيما، فقد تركهم يحاولون، وهو يعرف أن فتح الحصن صعب جدا، ولكنه تركهم ليعيشوا معه في واقعيته، ولما أيقن الصحابة صعوبة المهمة، ووافقوا على الرحيل، وهم راضون، فقد قام صلى الله عليه وسلم، ليفك الحصار، ويغادر الطائف وهو يضحك، وإن عدم فتح الطائف كان له فوائد ومنها أنه لو فتحت الطائف في هذه الظروف الصعبة، والقتال الشرس، والمطاردة لهوازن وثقيف، ودار القتال في داخل الحصون، لقتل فيها ما لا نتخيل، ولفقد الإسلام قوة هؤلاء جميعا، لأن كل هؤلاء قد أسلموا بعد ذلك، ولو فتح المسلمون الطائف عنوة لقتلوا ولفقد الإسلام قوتهم، ولكان عاقبتهم النار، ولكان هذا أسوأ وأشد، ولقد كان هذا الانسحاب دون إتمام المهمة قد فتح علينا باب آخر، لأنه سيكون لزاما علينا ألا ننسحب من أى موقف مثل ذلك.

 

ولكن بهذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم، ترك الأمر لقادة المسلمين ولرأي الشورى، ولننظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يغادر الطائف، قال له بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يملأ قلوبهم الغيظ لعدم التمكن من فتح الحصن، يا رسول الله، ادع الله على ثقيف، فيجيب النبى صلى الله عليه وسلم، في هدوء ” اللهم أهدى ثقيفا وآتى بهم ” ومما يستفاد من هذه الغزوة هو سرعة استجابة الصحابة الكرام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعد غزوة حنين مباشرة ساروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لنشر دعوتهم ، ومواجهة المعارضين لها، والواقفين في سبيلها، ويستفاد أيضا ضرورة الأخذ بالوسائل الحربية، والاستراتيجية، والخطط النافعة، كما فعل صلى الله عليه وسلم، حيث استخدم المنجنيق، وكان أول ما رمي به في الإسلام.

 

ويستفاد أيضا ضرورة التشاور وخاصة وقت المحن والشدائد، وعدم التفرد باتخاذ القرار، فالنبي صلى الله عليه وسلم، قد شاور الصحابة الكرام في فك الحصار، وذلك لبيان أهمية هذا المبدأ العظيم وهو مبدأ الشورى، وقبل هذا وذاك نستفيد من أحداث هذه الغزوة ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من رحمة وشفقة بالآخرين، ولو لم يكونوا مسلمين، لأن مهمته تتمثل في هداية الآخرين وليس النيل منهم والكيد بهم، وفي دعوته صلى الله عليه وسلم لثقيف وليس الدعاء عليهم، هو أبلغ دليل على رحمتة صلى الله عليه وسلم، فعندما تحرك صلى الله عليه وسلم، إلى الطائف، وقد جعل على مقدمته خالد بن الوليد رضي الله عنه، حتى نزل قريبا من حصن الطائف، فضرب عسكره هناك، وفرض على أهلها الحصار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى