مقال

الصبر لا يصمد له إلا الخاشعون ” جزء 3″

الصبر لا يصمد له إلا الخاشعون ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع الصبر لا يصمد له إلا الخاشعون، وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال، قلت يا رسول الله، ألا تستعملني أي ألا تعطيني ولاية أو إمارة ؟ قال فضرب بيده صلى الله عليه وسلم على منكبي ثم قال “يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه” مسلم، وإن من ينظر إلى توجيهات الإسلام وتشريعاته وأحكامه، يجد أنه دين منظم في جميع شئونه، ويأمر بالنظام ويهتم به في كل جوانب الحياة، في باب العبادات والمعاملات والحياة الشخصية أو الأسرية أو الاجتماعية، فالنظام فطرة في هذا الكون، وضرورة من ضروريات الحياة، فالكون كله يسير بنظام وإتقان الشمس والقمر، والليل والنهار، والكواكب والنجوم، والسماء والأرض، وإن القرآن الكريم يدعونا صراحة.

 

إلى النظام فقد بيّن ربنا أن الملائكة لديها نظام، فقال تعالى ” والصافات صفا” وأنها ستأتي يوم القيامة وهي منظمة ومصطفة، فيقول تعالي ” وجاء ربك والملك صفا صفا” بل إن البشر عندما يأتون للعرض على الله يوم القيامة يعرضون وهم منظمون، فيقول تعالي ” وعرضوا علي ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا” ويغني عن كل هذا أن في القرآن الكريم سورة كاملة اسمها سورة الصف، وفيها قوله تعالي ” إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص” فإذا كان النظام هو سمة الكون، ومظهر العبادات، ومنهج القرآن، فأين المسلمون الآن من قيمة النظام؟ ولماذا يرضى البعض أن يعيش بالفوضى، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم اهتم بالنظام في حياته، سلما وحربا، فجاء النظام في تسوية الصحابة للصلاة.

 

فعن أبي مسعود، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول “استووا، ولا تختلفوا، فتختلف قلوبكم، ليليني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم” وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال “إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع، فاركعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا ربنا لك الحمد، وإذا سجد، فاسجدوا، وإذا صلى جالسا، فصلوا جلوسا أجمعون، وأقيموا الصف في الصلاة، فإن إقامة الصف من حُسن الصلاة” ولما جاء أهل نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمسون منه مسؤولا أمينا، يقف على حاجاتهم، ويقضي مصالحهم، ويحسن إدارة شؤونهم، قال لهم “لأبعثن إليكم رجلا أمينا حق أمين” قال حذيفة فاستشرف لها الناس فبعث أبا عبيدة بن الجراح” متفق عليه.

 

وهو الرجل المناسب في المكان المناسب، الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم “لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح” متفق عليه، وإن الأمين يعلم أنه مراقب على عمله، والرقيب هو الله، مسؤول عن وظيفته ومسؤولياته، والسائل هو الله والأمين يعلم أن الغش في الوظيفة يجر عليه ويلات الدنيا والآخرة، في الدنيا يفضحه الله، فيكتشف الناس كذبه، وخيانته، وتزويره، فيعيش بقية عمره ذليلا مهينا، مشارا إليه بأصبع المكر والخيانة، وإن الأمين يجعل نفسه طوع يد من استأمنه، الذي ما اعتلى منصبه إلا بسبب ثقته فيه، وحسن ظنه به، فيحرم عليه أن يشق على الناس، أو يتماطل في قضاء مصالحهم، أو يتأخر في مد يد العون إليهم فقال تعالى ” والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون” وقال النبي صلى الله عليه وسلم.

 

“اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا، فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به” مسلم، وإن الأمين يعلم أن في الاحتجاب إذلالا للناس الذين قصدوا نفعه، واستضعافا لأصحاب الحاجات الذي أملوا معونته، وإضاعة لحقوق من توسموا خدمته وإنصافه وقد خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم في العمال فقال “إني استعملكم على أمة محمد لتقيموا بهم الصلاة، وتقضوا بينهم بالحق، وتقسموا بينهم بالعدل، ولا تجلدوا المسلمين فتذلوهم، ولا تضيعوا حقوقهم فتفتنوهم” والأمين عفيف عن أخذ الرشاوى والهدايا، ينظر إلى ما في يده، ولا يتطاول إلى ما في أيدي الناس، ويقنع بحلال رزقه، ولا يلتفت إلى مال غيره ومن فعل، فقد صدق عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “ليأتين على الناس زمان، لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن حلال أم من حرام” رواه البخاري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى