مقال

صدقة الفطر “جزء 3”

صدقة الفطر “جزء 3”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث من صدقة الفطر، فالزكاة حينئذ تحتاج إلى تنظيم وتوزيع لتنال مستحقيها ولا يكفى ان يكون ذلك قبل العيد مباشرة، فتوسيع الزمن له عامل كبير فى ضمان تحقيق الهدف الشرعى من الزكاة بحيث تشرق شمس العيد وقد وصل إليهم حقهم فيشعرون بفرحة العيد كما يشعر بها سائر الناس، ويقول الله تعالى فى محكم آياته وهو أصدق القائلين” قد أفلح من تزكى، وذكر اسم ربه فصلى” وها هى شمس رمضان قد أوشكت على الغروب، وها هى إشراقات الرحمن قد غمرت القلوب، وها هو شهر رمضان في طريقه إلى الرحيل، ليشهد للذين أحيوه بالعبادة بالخير عند السميع العليم وإذا كنت أيها الصائم قد وقعت فيما يجرح صيامك، أو فقدت جزءا من ثوابك، فلا تحزن، فإليك هذه البشرى، يسوقها إليك الحبيب المصطفي صلى الله عليه وسلم.

 

فقد روى أبو داود وغيره عن بن عباس رضى الله عنهما قال ” فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمه للمساكين من أداها قبل الصلاة فهى زكاة مقبوله، ومن أداها بعد الصلاة فهى صدقة من الصدقات” إذن فزكاة الفطر إنما هي مطهرة للذنوب، ومكفرة لما قد يقع فيه الصائم من لغو الحديث وفحش الأفعال، ألا فسارعوا وأخرجوا زكاة فطركم، طيبة بها نفوسكم، ممدودة بها إلى الرحمن أيديكم، فإن الصدقة تقع فى يد الرحمن قبل أن تقع في يد أخيك الفقير ففي المعجم للطبرانى عن ابن عباس رضى الله عنهما، قال “ما نقصت صدقة من مال قط وما مد عبد يده بصدقة إلا ألقيت في يد الله قبل أن تقع في يد السائل” وفي مسند الإمام أحمد عن أبى هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

“إن الرجل إذا تصدق بتمرة من الطيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، وقعت فى يد الله فيربيها له كما يربى أحدكم فلوه أو فصيلة حتى تعود فى يده مثل الجبل” وأما عن الواجب فيها فهو صاع من القمح او الشعير او التمر أو الزبيب او الأقط وهو اللبن المجفف، أو الأرز أو السكر أو الزيت أو السمن أو المكرونة إلى عير ذلك من المواد الغذائية من غالب قوت البلد، ومن الممكن التنويع فى الأقوات كلها، والحكمة من ذلك أمرين، وهما ان النقود كانت نادرة عند العرب، وتغير القدرة الشرائية للنقود من وقت لآخر والصاع يشبع عائلة ليوم طعاما في الغالب، وأما عن حكم إخراج القيمة، فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى بأن الأظهر فى هذا أن إخراج القيمة لغير الحاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه، ولهذا قدر النبي صلى الله عليه وسلم الجبران.

 

بشاتين او عشرين درهما ولم يعدل إلى القيمة، ولأنه متى جوز إخراج القيمة مطلقا فقد يعمد المالك إلى أنواع رديئة وقد يقع فى التقويم ضرر، ولأن الزكاة مبناها على المواساة، وهذا معتبر فى قدر المال وجنسه، وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به، مثل أن يبيع ثمر بستان أو زرعه بدراهم فهنا إخراج عُشر الدراهم يجزئه ولا يكلفه أن يشترى تمرا أو حنطة، إذا كان قد ساوى الفقراء بنفسه، ونص على جواز ذلك الإمام أحمد، وأيضا مثل من يجب عليه شاه فى خمسة من الإبل وليس عنده من يبيعه شاه، فإخراج القيمة هنا كاف، ولا يكلف السفر إلى مدينة أخرى ليشتري شاه، أو أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لأنها أنفع فيعطيهم إياها، أو يرى الساعي وهو عامل الزكاة إنها انفع للفقراء، وهذا لما نقل عن معاذ بن جبل رضى الله عنه.

 

أنه كان يقول لأهل اليمن” أئتونى بخميص أو لبيس وهما نوعان من الثياب، أيسر عليكم وخير لمن فى المدينة من المهاجرين والأنصار، وهذا كان فى زكاة زرعهم، وهذا ينطبق على زكاة الفطر وهذا الحديث ذكره البخاري معلقا بصيغة الجزم، وفى مصنف ابن أبى شيبة قال حدثنا وكيع عن قرة جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه فى صدقة الفطر نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته نصف درهم، ومثله عن الحسن البصرى قال لا بأس ان تعطى الدراهم فى صدقة الفطر، ويقول القرضاوى فمن نظر إلى المقصد الشرعي وهو أغنوهم فى هذا اليوم، فالإغناء يتحقق بالطعام وربما كانت القيمة أفضل، إذ كثرة الطعام عند الفقير تحوجـه إلى بيعها والقيمة تمكنه من شراء ما يلزمه من الأطعمة والملابس والدواء وسائر الحاجات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى