مقال

عماد المجتمع ونواتة الصلبة ” جزء 6″

عماد المجتمع ونواتة الصلبة ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السادس مع عماد المجتمع ونواتة الصلبة، وحين لم يكن من أبي طالب مبادرة ذاتية لم يستفد من الجهد الذي بُذل له، وفي عصر النبي صلي الله عليه وسلم كان هناك فئة من المنافقين يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة، ويشهدون معه مجالس الخير، ويذهبون معه في السفر والإقامة، ويشهدون معه بعض الغزوات، فيعيشون مع النبي صلى الله عليه وسلم كما يعيش معه سائر أصحابه، يتلقون من نفس القنوات التربوية التي يتلقى منها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بل لعل بعض المنافقين كانوا أكثر حضورا لمجالسه من بعض أصحابه، ومع ذلك لم ينتفعوا بشيء من ذلك أبدا، ويروى أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما كان قد تزوج عاتكة بنت عمرو بن نفيل وكانت من أجمل نساء قريش.

 

وكان عبد الرحمن من أحسن الناس وجها وأبرهم بوالديه فلما دخل بها غلبت على عقله، وأحبها حبا شديدا فثقل ذلك على أبيه فمر به أبو بكر يوما وهو في غرفة له فقال يا بني إني أرى هذه قد أذهلت رأيك وغلبت على عقلك فطلقها قال لست أقدر على ذلك فقال أقسمت عليك إلا طلقتها فلم يقدر على مخالفة أبيه فطلقها فجزع عليها جزعا شديدا وامتنع من الطعام والشراب فقيل لأبي بكر أهلكت عبد الرحمن فمر به يوما وعبد الرحمن لا يراه وهو مضطجع في الشمس ويقول هذه الأبيات فوالله لا أنساك ما ذر شارق، وما ناح قمري الحمام المطوق، فلم أر مثلي طلق اليوم مثلها، ولا مثلها في غير شيء يطلق، لها خلق عف ودين ومحتد، وخلق سوي في الحياء ومنطق، فسمعه أبوه فرق له وقال له راجعها يا بني فراجعها وأقامت عنده حتى قتل عنها يوم الطائف.

 

عندما كان مع رسول الله صلي الله عليه وسلم حيث أصابه سهم فقتله فجزعت عليه جزعا شديدا وقالت ترثيه، فآليت لا تنفك نفسي حزينة، عليك ولا ينفك جلدي أغبرا، فتى طول عمري ما أرى مثله فتى، أكر وأحمى في الهياج وأصبرا، إذا شرعت فيه الأسنة خاضها، إلى القرن حتى يترك الرمح أحمرا، فانظر كيف سارع عبد الرحمن في تلبية رغبة أبيه أبو بكر رضي الله عنهما محبة واحتراما وإجلالا له, على الرغم من مقاساته ومعاناته من تلبية هذه الرغبة، ولذا نستطيع أن نقول إن الإسلام أعطى الطفل حقه كاملا ومناسبا للمرحلة العمرية التي يمر بها، وكذلك أيضا فيجب أن نتكلم عن تجاوز سلبيات المربي فإن البشر أيا كانوا لا يخلون من سلبيات وجوانب من القصور، فحينما يكون الشاب مجرد ظل لغيره، فإنه سيحمل سلبيات من يربيه.

 

بالإضافة إلى سلبياته هو، فحين يكون الشاب يعاني من صفة سلبية كالكسل مثلا، ووجد وتربى في بيئة يكثر فيها الهزل، فسيجمع بين الصفتين، وهكذا في سائر الأمراض جوانب القصور، وحين يعتني بتربية نفسه تربية ذاتية، فإنه سيتجاوز كثيرا من سلبيات من يربونه، لتبقى لديه سلبياته وجوانب قصوره الشخصية، ولا نزال نسمع شكوى كثير من الشباب اليوم، وتبريرهم لجوانب من القصور لديهم بأنهم نشأوا في أوساط تعاني من الضعف التربوي، أو تربوا على أيدي مربين قصروا في تربيتهم، ولذلك كان لبعض تلك الشكاوى نصيب من الصحة، فكثير منها إنما هي أسلوب إسقاط، وهروب من تحميل النفس المسؤولية، وأيا كان الأمر هذا أو ذاك، فالشاب يتحمل مسئوولية نفسه، ولو كان جادا لاعتنى بها منذ البداية، ولتجاوز سلبيات الآخرين ومشكلاتهم.

 

فإن هذه المسوغات تؤكد على أهمية الاعتناء بالتربية الذاتية، وحين نعود إلى واقعنا اليوم نجد الوقوع في الإفراط والتفريط في هذه القضية، فتجد بعض الشباب يؤدي جهدا للآخرين، من خلال درس يلقيه، أو خطبة في المسجد، أو من خلال المشاركة في المركز الصيفي، تجد هذا الشاب ينشغل بالأمور الدعوية ونعم ما انشغل به، لكنه يهمل نفسه وينساها، فيجد بعد فترة أن زملاءه وأقرانه قد فاقوه وأنه قد قصر في حق نفسه، هذه صورة، والصورة المقابلة هي صورة ذاك الشاب الذي يرفض أن يقدم، ويرفض أن يعمل، ويرفض أن يعطي الآخرين من وقته بحجة أنه يريد أن يربي نفسه، وهذا هو الآخر قد جانب الصواب، فلابد من التوازن، لابد أن يقوم الشاب بمسؤوليته فيخصص جزءا نفيسا من وقته يعلم غيره ويربي غيره ويفيد غيره ويسهم في حفظ وقت غيره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى