مقال

السرقة والمجتمع ” جزء 4″ 

السرقة والمجتمع ” جزء 4″

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع السرقة والمجتمع، لذلك لا يطبق الحد إلا في حالة ثبوت الجريمة على السارق، فإذا ثبتت حكم ولي الأمر أو القاضي بالعقوبة المقررة في الإسلام على السارق، حتى لا تضيع المجتمعات، وتصبح الأموال عرضة للاغتصاب وينتشر الفساد وتنهار المجتمعات، فكل شخص يجب عليه أن يجتهد ويكسب من عرق يده، لا يأكل أموال الآخرين غصبا، وإن حد السرقة في الإسلام هو قطع يد السارق اليمنى، فإن أعاد السرقة تقطع قدمه اليسرى، وإن عاد تقطع اليد اليسرى، فإن لم يرتدع تقطع قدمه اليمنى، ولما صعب في بعض المواقف ثبوت حالة السرقة فقد رأى الشرع بنشر عقوبة التعزير، بعقوبات أخرى كالسجن، لطالما لم يكون هناك دليلا قويا على سرقة السارق، أو اعترافه بها، ولا تطبق حدود السرقة في أوقات الحروب والغزوات والمجاعات.

 

وذلك تخفيفا عن الناس لما في هذه الأوقات من كرب ونقص في كافة الموارد الاقتصادية، فيا أيها السارق، أتعرض نفسك ألا يقبل الله عز وجل منك صدقة؟ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، أتعرض نفسك لأن لا يقبل الله عز وجل منك صرفا ولا عدلا، لأن كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به، أتعرض نفسك لضياع أجر الصدقة التي بها يستظل الناس يوم القيامة في أرض المحشر، وبالصدقة تطفئ غضب الرب، والصدقة تكون وقاية بينك وبين النار، تصدقوا ولو بشق تمرة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما حذرنا من النار قال، كما جاء في صحيح البخاري ” اتقوا النار ولو بشق تمرة” وإن هناك شروط وجوب حد السرقة، وهي أن يكون السارق مكلفا وهو البالغ العاقل، مختارا، مسلما كان أو ذميا، وأن يكون هذا الأخذ على الاختفاء والاستتار.

 

وأن يكون المال في حرز وهو يخرجه، وكذلك انتفاء الشبهة، وأن يكون مالا محترما، فلا حد على من يسرق خمر أو أشياء محرمة، وأن يكون السارق مختارا، فلا قطع على المكره لأنه معذور، وأن يبلغ النصاب، وهو ربع دينار ذهبا فأكثر، وأن يكون عالما بالتحريم، فلا قطع على جاهل بتحريم السرقة، وأن يأخذ المال على وجه الخفية، فإن لم يكن كذلك فلا قطع كالاغتصاب، والاختلاس، والنهب، والغش، ونحوها، وإنما فيها التعزير، فإذا تحققت هذه الشروط تكون السرقة موجبه للحد، فيا أيها السارق ، أتعرض نفسك لا قدر الله أن توصف بوصف جاء منه الكفر والنفاق، ألا وهو وصف الكذب؟ هل رأيتم سارقا صادقا؟ السارق كاذب، ونتيجة الكذب رسمها النبي صلى الله عليه وسلم وبيّنها لنا بقوله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في صحيح الإمام مسلم.

 

” وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحري الكذب حتي يكتب عن الله كذابا” فيا أيها السارق، أتعرض إيمانك للضياع من أجل جنيهات بسيطة، والدنيا كلها بما فيها لا تساوي عند الله جناح بعوضة؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن” ومن عرّض إيمانه للضياع فأي عمل سيكون مقبولا عند الله عز وجل؟ لأننا كلنا نعلم بأن العمل الصالح لن يُقبل إلا على أساس من الإيمان، وأما عن ثبوت السرقة، فإنها تثبت السرقة بأمرين، وهما بالإقرار بأن يقر السارق على نفسه بالسرقة، وأيضا بالشهادة بأن يشهد عليه رجلان عدلان بأنه سرق، ولا تقبل شهادة النساء في الحدود، فإذا تمت هذه الشروط وجب القطع، وإن اختل شرط منهما سقط القطع.

 

وللإمام التعزير بما يراه مناسبا، فإذا ثبتت جريمة السرقة وجب إقامة الحد على السارق وهو قطع يده اليمنى من مفصل الكف، ويغمس موضع القطع من مفصل الذراع في زيت مغلي لتسد أفواه العروق فينقطع الدم، وإذا سرق ثانية قطعت رجله اليسرى من مفصل الكعب، فلا تقطع يداه، لأن قطع يديه يفوت منفعة الجنس، فلا تبقى له يد يأكل بها، ولا يتوضأ ولا يستطيب، فإن عاد فسرق بعد قطع يده اليمنى ورجله اليسرى حُبس، فيا أيها السارق أتعرّض نفسك للإفلاس؟ وهذا ما سرق إلا خشية الإفلاس، ومن أجل الغنى، يا أيها السارق عندما تسرق وأنت تطمع بالغنى وتخشى الإفلاس، أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم ” أتدرون من المفلس؟” ولما كسفت الشمس على عهده صلى الله عليه وسلم، صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطال القيام، والركوع والسجود”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى