مقال

أحوال في شهر رجب ” جزء 3″

أحوال في شهر رجب ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع أحوال في شهر رجب، فقال تعالى في سورة التوبة ” إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن انفسكم” وهي مقدرة بسير القمر وطلوعه لا بسير الشمس وانتقالها كما يفعله الكفار، والأشهر الحرم وردت في الآية مبهمة ولم تحدد اسماؤها وجاءت السُنة بذكرها فعن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع وقال في خطبته “إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القَعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان” رواه البخاري ومسلم، فإنكم قد دخلتكم في أحد الأشهر الأربعة الحُرم، ألا وهو شهر رجب.

 

فاحذروا أشد الحذر أن تظلموا أنفسكم في هذا الشهر وباقي الأشهر الحُرم بالسيئات والخطايا، والبدع والضلالات، والفسق والفجور، والظلم والعدوان، والقتل والاقتتال، والغش والكذب، والغيبة والبُهتان، والحسد والغلّ، فإن الله تعالي قد زجركم ونهاكم عن ذلك، فقال تعالي ” فلا تظلموا فيهن أنفسكم” فإن السيئات من البِدع والمعاصي تعظم وتشتد، وتكبر وتتغلظ، في كل زمان أو مكان فاضل، وقد ثبت عن قتادة التابعي رحمه الله أنه قال ” إن الظالم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواها” وإن هناك وقفات في هذا الشهر يجدر بِكم وبغيركم من المسلمين أن تتنبهوا لها، وتفقهوا حكمها، وتتبصّروا بواقع الناس معها، لتسلم لكم عباداتكم من النقص والزلل، وأنفسكم مِن الإثْم والوزر، وتقل في بلادكم البدع والآثام، فلا تغضبوا ربكم.

 

وتسعدوا في دنياكم وأخراكم، وأما عن القتال في الشهر الحرام، فقد قال تعالى ” يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ” وجمهور العلماء على أن القتال في الأشهر الحرم منسوخ بقوله تعالى “فإذا أنسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ” وغير ذلك من العمومات التي فيها الأمر بقتالهم مطلقا، واستدلوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل أهل الطائف في ذي القعدة وهو من الأشهر الحرم، وقال آخرون أنه لا يجوز ابتداء القتال في الأشهر الحرم وأما استدامته وتكميله إذا كان أوله في غيرها فإنه يجوز، وقد حملوا قتال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الطائف على ذلك لأن أول قتالهم في حنين في شوال، وكل هذا في القتال الذي ليس المقصود فيه الدفع، فإذا دهم العدو بلدا للمسلمين وجب على أهلها القتال دفاعا سواء كان في الشهر الحرام أو في غيره.

 

وأما عن حُكم تخصيص شهر رجب ببعض الصلوات؟ فإنه جرت عادة بعض الناس على تخصيص شهر رجب بصلاة تسمى صلاةَ الرغائب، وتؤدى في ليلة أول جمعة منه، ما بين المغرب والعشاء، وأول ما ظهرت هذه الصلاة كانت في القرن الخامس الهجري، وهذه الصلاة يحرم على المسلم أن يُصليها أو يدعو الناس إلى صلاتها، لأن مرجع الصلاة نصوص القرآن والسنة النبوية الصحيحة، ولم ترد آية في القرآن تدل على صلاتها، ولا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلاها أو رغب الناس في صلاتها، بل إن الناس لم يسمعوا بها إلا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ووفاة أصحابه بمئات السنين، وقد قال الفقيه ابن العطار الشافعي الدمشقي رحمه الله “والأحاديث المروية في فضلها، وفي الصلاة فيها كلها موضوعة باتفاق أهل النقل والعدالة”

 

وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي البغدادي رحمه الله “فأما الصلاة فلم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به، والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح، وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء” وأما عن موضوع العتيرة في شهر رجب، فقد كانت العرب في الجاهلية تذبح ذبيحة في رجب يتقربون بها لأوثانهم، فلما جاء الإسلام بالذبح لله تعالى بطل فعل أهل الجاهلية واختلف الفقهاء في حكم ذبيحة رجب فذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن فعل العتيرة منسوخ واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء في الحديق عن أبي هريرة رضي الله عنه “لا فرع ولا عتيرة ” رواه البخاري ومسلم، وذهب الشافعية إلى عدم نسخ طلب العتيرة وقالوا تستحب العتيرة وهو قول ابن سيرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى