مقال

أحوال في شهر رجب ” جزء 5″

أحوال في شهر رجب ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع أحوال في شهر رجب، إذ لو كان هذا الاحتفال والاجتماع بليلة الإسراء والمعراج من الخير والهدى، والرشد والصلاح، وزيادة الدين وقوته، لما تركه أشد الناس تعظيما وانقيادا لله ورسوله، وشرعه، ألا وهم أهل القرون الثلاثة الأولى الذين صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في شأنهم ” خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم” ومن لم يسعه ما وسع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأئمة الإسلام الماضين من الترك لهذا الاحتفال والاجتماع وغيره من البِدع في شهر رجب فلا يضرّ إلا نفسه، وأما عن موضوع العُمرة في شهر رجب؟ فقد دلت الأحاديث النبوية الشريفة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رجب كما ورد عن مجاهد قال دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.

 

جالس إلى حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها فسئل؟ كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أربعا إحداهن في رجب، فكرهنا أن نرد عليه قال وسمعنا إستنان السيدة عائشة أم المؤمنين، أي سمعوا صوت السواك، في الحجرة فقال عروة يا أماه يا أم المؤمنين ألا تسمعين ما يقول أبو عبدالرحمن ؟ قالت ما يقول ؟ قال يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمرات إحداهن في رجب، قالت “يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهد، أي حاضر معه، وما اعتمر في رجب قط” متفق عليه وجاء في رواية أخري عند الإمام مسلم ” وابن عمر يسمع فما قال لا ولا نعم” وهنا قال النووي بأن سكوت ابن عمر رضي الله عنهما على إنكار السيدة عائشة رضي الله عنها إنما يدل على أنه كان اشتبه عليه أو نسي أوشك.

 

ولهذا كان من البدع المحدثة في مثل هذا الشهر الكريم المبارك تخصيص رجب بالعمرة واعتقاد أن العمرة في رجب فيها فضل معيّن ولم يرد في ذلك نص إلى جانب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه أنه اعتمر في رجب وقد قال الشيخ علي بن إبراهيم العطار المتوفى سنةسبعمائة وأربعة وعشرين من الهجرة، ومما بلغني عن أهل مكة زادها الله شرفا اعتياد كثرة الاعتمار في رجب وهذا مما لا أعلم له أصلا بل ثبت في حديث أن الرسول صلى الله عليه قال “عمرة في رمضان تعدل حجة” وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في فتاويه “أما تخصيص بعض أيام رجب بأي شيء من الأعمال الزيارة وغيرها فلا أصل له لما قرره الإمام أبو شامة في كتاب البدع والحوادث وهو أن تخصيص العبادات بأوقات لم يخصّصها بها الشرع لا ينبغي .

 

إذ لا فضل لأي وقت على وقت آخر غلآ ما فضله الشرع بنوع من العبادة أو فضل جميع أعمال البر فيه دون غيره ولهذا أنكر العلماء تخصيص شهر رجب بكثرة الاعتمار فيه” ولكن لو ذهب الإنسان للعمرة في رجب من غير اعتقاد فضل معيّن بل كان مصادفة أو لأنه تيسّر له في هذا الوقت فلا بأس بذلك، فإن الأعمال التي يفعلها العباد من صيام أو صلاة أو ذكر أو احتفالات أو غيرها تقربا إلى الله، وطلبا للأجر منه، ولم يأتي دليل مِن القرآن أو السنة النبوية الصحيحة في دعوة الناس إلى فعلها، ولا فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه رضي الله عنهم، ولا السلف الصالح، يُطلق العلماء ويحكمون عليها بأنها بدعة، وإحداث البدع في الدين أو فعلها أو دعوة الناس إلى فعلها في مساجدهم أو بيوتهم أو مجالسهم من المحرمات الشديدة، والمنكرات الشنيعة، والسيئات الكبيرة،

 

إذ صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب الناس حذرهم من البدع، وبيّن لهم أنها ضلالة، فيقول صلى الله عليه وسلم ” أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة” وثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال ” ألا وإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار” وكما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال “كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة” ولا ريب عند الجميع بأن ما وُصف في الشرع بأنه شر، وأنه ضلالة، وتوعّد عليه بالنار، يكون مِن المحرمات الكبيرة، والذنوب الشديدة، ولا يكون حسنا أبدا، ورُوي أن رجلا من الصالحين فقد ما كان يجد في قلبه من الخشوع والإنابة والإقبال على الله عز وجل فظل حائرا، متألما، يريد أن تعود إليه السلامة التي عهدها من قلبه، فكان يطوف بلدته على حاله تلك وهو يسأل نفسه أين قلبي؟ أين قلبي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى