مقال

سبحان الذي أسري بعبده ليلا ” جزء 2″

سبحان الذي أسري بعبده ليلا ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع سبحان الذي أسري بعبده ليلا، والأخشب هو الجبل الغليظ، والمقصود الجبلان المحيطان بمكة، جبل أبي قبيس، والجبل الذي يقابله” فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم “بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا” ويعود رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف ولم يستطع أن يدخل مكة من شدة ايذاء قريش له، قريش ترفض وتمنع دخول الرسول صلى الله عليه وسلم الى مكة، حتى دخلها أخيرا في جوار مطعم بن عدي وكان رجل كافر من قريش، ولكن كان شديد الشهامة، وفي هذه الظروف شديدة الصعوبة، وبعد رحلة الطائف بأيام وقيل أسبوعين أو ثلاثة، وقيل في يوم السابع والعشرين رجب وقعت رحلة الإسراء والمعراج، وكأن الحق سبحانه وتعالى يقول للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم اذا كان هذا ما لقيته.

 

يا رسول الله من أهل الأرض، فانظر الى مكانتك عند أهل السماء، ولقد أجمع أهل الحق على أن الإسراء كان بالروح والجسد وفي اليقظة ومن أنكره فقد كذب القرءان، ويقول الله عز وجل في سورة الإسراء ” سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا, انه هو السميع البصير” فإن في معجزة رحلة الاسراء والمعراج, من المعجزات الكثير والكثير، فإن فيها معجزات مشاهد الطريق العظيمة, ومعجزات مشاهد العروج الى السماء، ومعجزة الخروج من مكة ليلا والوصول الى بيت المقدس في لحظات سريعة, وكان البراق هو الأداة التي سخرها الله عز وجل ضمن أدوات انصرفت مشيئته أن تكون, فكان لونه معجزة, يضع قدمه في محل رؤيا العين أو على امتداد البصر خافت من حس أقدامه الابل وهربت في الصحراء.

 

ولم يكن البراق الشيء العجيب الوحيد, بل ما شاهده رسول الله صلى الله عليه وسلم يعد معجزات متعددة واحدة تلو الأخرى تقدم النصح والارشاد للناس أجمعين، ولقد كان لهذه المعجزة الكبرى معجزة الاسراء والمعراج حكايات عجيبة ومواقف طريفة فبينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نائما بجوار الكعبة ذات ليلة أتاه جبريل بدابة بيضاء جميلة أكبر من الحمار وأقل من الحصان انها البراق العجيب، وقد كانت البراق دابة يركبها الأنبياء قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما أراد صلى الله عليه وسلم ركوبها نفرت وهاجت، فصاح جبريل “مه يا براق يحملك على هذا فوالله ما ركبك قط أكرم على الله منه” فاستحيا البراق وهدأت ثورته وسكن مكانه، وركب صلى الله عليه وسلم البراق فكان سيره غاية في السرعة والانسياب فلا اضطراب ولا قلقلة في سيره.

 

مما أشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالراحة والاطمئنان, فكأنه مستقر على فراش ساكن وسرير ناعم، وقد ذكر أنه كان من سرعته ما يثير العجب حتى أنه يضع حافره في كل خطوة عند منتهى البصر, وكان دائما مستوي السير فلا يعلو ولا يهبط حتى اذا قابلته عقبة مرتفعة, قصرت رجلاه الأماميتان وطالت الخلفيتان، واذا قابله واد منخفض طالت رجلاه الأماميتان وقصرت رجلتاه الخلفيتان، وهكذا توفرت للرحلة معجزات ما بعدها معجزات، فتبدأ رحلة الإسراء و المعراج بشق صدر النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، كان أبو ذر رضي الله عنه يحدث، أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال ” فرج سقف بيتي وأنا بمكه فنزل جبريل ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري، ثم أطبقه” رواه البخاري.

 

وهذا الحدث يوجهنا جميعا إلى الحب، والمودة ، والصفاء والنقاء وطهارة القلب ويدعونا جميعا أن ننقى صدورنا من الكراهية، والبغضاء والحقد، والحسد، والغل، والخلافات، وكذلك نبذ كل أمراض القلب من رياء و غيره، والرجوع إلى الله تعالى بالتوبة إليه، ليكون العبد نقيا من الذنوب والآثام، ولا شك أن التوبة هي أول الطريق إلى الله، وتجديدا لمكانة الإيمان فى القلب، وإذا نظرت بعين المتدبر لوجدت انه بمجرد أن تبدأ الرحلة، يرى النبي صلي الله عليه وسلم مرئية ترمز إلى تقديم حب الله و حب رسوله وحب دينه على المال والولد، بل على النفس بعينها، وهذا أمر له أهميته ومكانته فلن يؤمن صدقا من لم يكن الله ورسوله أحب إليه من ولده وماله بل ونفسه التي بين جنبيه، وهكذا فإن معجزة الإسراء والمعراج ليست رحلة تاريخية وقف مضمونها عند انتهاء حدثها وزمانها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى