مقال

أنا وكليوباترا

أنا وكليوباترا

أنا وكليوباترا

 

بقلم : خالد جعفر

 

إلى عالمك المجنون سأبحر بلا توقف ، و على شاطئك الساحر أقف مليًا ؛ لأبدأ رحلتي من جديد . تعلمت الأبجدية على يديكِ و أول حروفي كتبتُها عنكِ . عشقي لكِ ثقافة راهب طاف بلاد الدنيا ولم يجد إلا معبدك ، قرأتُ فيكِ التوراة و الإنجيل وحفظت القرآن . وصليت جميع الصلوات في كل الأديان . على شاطئكِ الساحر تنتظرني ” كليوباترا ” ،

 

ألبستني ملابس الرومان ، أمسكت بذراعي و صرنا جسدين بروح واحدة . و مع كل نسمة من نسمات البحر نذوب معًا عشقاً ، فأكون أنا أنت وأنت أنا . وعلى مسافة ليست ببعيدة ، ألمح أنطونيو وأوكتافيوس وقد تملكهما الغيظ والحسرة .. من هذا الغريب الذي جاء من زمن بعيد ؟

 

أخذتني ” كليوباترا ” في موكب ملكي تشير بيدها لأسطولها البحري و ترد لهم التحية ، و ترفع يدي معها و كأنني ملكها المتوج ، و بإشارة من يدها توقف الموكب ، و أخذتني إلى مكان لا تغيب عنه الشمس كما يقولون . شعرتُ فيه بروح جديدة تسري بداخلي ، و اتسعت عيناي رهبة و عجبًا و أنا معها .

 

بدأ سيرنا في بهو عظيم على ممشى من الرخام الملون برسوم شدت عيني إليه ، و إذا بيدها تنبهني أن أنظر إلى أعلى ، فالملوك عيونهم دائمًا تنظر فى الأفق البعيد ، و رؤيتهم تنتهي على الشاطئ الآخر من البحر . و كأنها تقول لي : روما .. روما .. اجعل عينيك صوب روما .

 

و نظمت خطوتي على خطوتها لرد التحية على الحرس الواقف على الجانبين إلى أن وصلنا إلى مبنى عظيم ، بوابته وكأنها طاقة نور تملأ الدنيا ضياءً . أعلاها مظلة برسوم رومانية على شكل قرص الشمس ، وإذا بها تشد على ذراعي حتى لا أسقط هولًا مما أراه ، فالملوك إذا سقطوا انتهى ملكهم . وأنا لم أكن يومًا ملكًا ، لكنني حاولت جاهدًا أن أظهر بصورة الملوك ،

 

و بدأ طابور من رجال لهم رهبة ومكانة وعيونهم تشع نورا وتظهر فوق رؤوسهم هالات من نور كأنها مصابيح تدلت من ثريات السماء أضاءت الدنيا ، فأشارت لي وقالت : هذا أفلاطون ، و هذا إقليدس ، و هذا جالينوس ، وهذا مانيتون المؤرخ المصري ، فعرفت أن هذا المكان هو مكتبة الإسكندرية التي طبعت على العالم فكرًا وعلما وحضارة ، أنارت ظلام الدنيا ولم يعد لليل وجود . وبدأ شعوري بالتواضع أمام هذا الحشد العظيم . وهنا أدركت أنني لستُ ملكًا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى