مقال

الإمام الشافعي ” جزء 3″

الإمام الشافعي ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع الإمام الشافعي، ويقول ابن زُولاق ” صنف الشافعي نحوا من مائتي جزء” ولقد كان في سرعة التاليف مع الدقة والنضج والإتقان أعجوبة منقطع النظير، حتى إنه ربما أنجز كتابا في نصف نهار، يقول يونس بن عبد الأعلى “كان الشافعي يضع الكتاب من غدوة إلى الظهر” ودون الشافعي الاصول التي اعتمد عليها في فقهه، والقواعد التي التزمها في اجتهاده في رسالته الاصولية “الرسالة ” وطبق هذه الاصول في فقهه وكانت اصولا عملية لا نظرية ويظهر هذا واضحا في كتابه ” الام ” الذي يذكر فيه الشافعي الحكم مع دليله، ثم يبين وجه الاستدلال بالدليل وقواعد الاجتهاد واصول الاستنباط التي اتبعت في استنباطه، فهو يرجع اولا الى القران وما ظهر له منه الا اذا قام دليل على وجوب صرفه عن ظاهرة، ثم الى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

حتى الخبر الواحد الذي ينفرد راو واحد بروايته، وهو ثقة في دينه معروف بالصدق، مشهور بالضبط ، وهو يعد السنة مع القران الكريم في منزلة واحدة، فلا يمكن النظر في القران دون النظر في السنة التي تشرحه وتبينه، فالقران يأتي بالاحكام العامة والقواعد الكلية، والسنة هي التي تفسر ذلك فهي التي تخصص عموم القران او تقيد مطلقه، او تبين مجمله، ولقد كان الشافعي فصيح اللسان بليغا حجة في لغة العرب عاش فترة من صباه في بني هذيل فكان لذلك أثر واضحا على فصاحته وتضلعه في اللغة والادب والنحو، إضافة إلى دراسته المتواصله واطلاعه الواسع حتى اصبح يرجع اليه في اللغة والنحو، وقال عنه الإمام احمد بن حنبل كان الشافعي من افصح الناس وكان مالك تعجبه قراءته لانه كان فصيحا وقال احمد بن حنبل ما مس أحد محبرة ولا قلما الا وللشافعي في عنقه منة.

 

وقال عنه ايوب بن سويد “خذوا عن الشافع اللغة” ويحكي عن الشافعي إنه كان جالس وسط تلامذته فجاءته جارية وقالت له يا إمام أتزنى بالليل وتخطب بالنهار ؟ فنظر تلاميذ الشافعي له منتظرين إجابته ونفي هذه التهمة فنظر الشافعي للجارية وقال لها يا جارية، كم حسابك؟ فثار تلامذة الشافعي، منهم من صاح ومنهم من قام ليمشي فقال لهم الشافعي، فلتعتبروني مثل التمر كلوا منه الطيب وإرموا النواه فلم يعجب التلاميذ بهذا ووسط هذا اللغط، وجاء رجل مسرعا يقول، يا جارية إن بيتك يحترق وبداخله أبنائك فجرى كل من كان موجودا بإتجاه المنزل بما فيهم الشافعي وحين وصلوا دخل الشافعي مسرعا وأنقذ الأطفال فقالت الجارية منكسرة إن اليهود هم من سلطوني لأفعل هذا حتى تهتز صورتك وسط تلاميذك فنظر التلاميذ متسائلين للشافعي عن عدم نفي التهمة عنه.

 

فقال الشافعي لو كنت نفيت التهمة كنتم ستقتسمون لفريقين، فريق لن يصدقني ويستمر في تكذيبي وفريق يصدقني ولكن يشك في قرارة نفسه، فأحببت أن أفوض أمري كله لله فلا تبرروا كثيرا مهما احسستم بالظلم و سمعتم من افتراء، فوضوا أموركم جميعها إلى الله فهو عالم بما خفي عن البشر لا تحرم نفسك منه ؟ ولكن قيل بأن هذه القصة باطلة ولا يجوز نشرها ولا روايتها، فهي قصة لا أصل لها ولا سند، وجميع الكتب التي صنفها الفقهاء والعلماء في مناقب الشافعي لم تذكرها، فهي من نسج خيال بعض القصاص الذين ابتليت بهم الأمة ممن يؤلفون قصصا طريفة من وحي خيالهم ليمتعوا بها آذان العوام، والعجيب أنها تنتشر في المنتديات سرعة انتشار النار في الهشيم ويدعي ناشروها أن فيها عبرة وعظة فيمن تعرض للظلم أو إساءة الظن.

 

بينما القصة فيها تشويه كبير لإمام من أئمة الفقه والعلم قد اتفقت الأمة على جلالة قدره ورفعة شأنه، وقد مرض الإمام الشافعي قبل وفاته مرضا شديدا، وخلال مرضه دخل عليه تلميذه المزني فقال كيف أصبحت ؟ قال أصبحت من الدنيا راحلا، وللإخوان مفارقا، ولكأس المنية شاربا، وعلى الله جل ذكره واردا، ولا والله ما أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنئها، أو إلى النار فأعزّيها ، ثم بكى، وتوفي رحمه الله ليلة الجمعة بعد صلاة العشاء، في آخر يوم من شهر رجب، وكان يبلغ من العمر عند وفاته أربعة وخمسين عاما، ودفن في القاهرة في الأول من شهر شعبان، يوم الجمعة عام مائتان وأربعة من الهجرة، الموافق ثماني مائة وعشرون ميلادي، وكان له ولدان وبنت، وكان قد تزوج من امرأة واحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى