مقال

لا يحدث الفقر تلقائيا

جريدة الاضواء

لا يحدث الفقر تلقائيا

كتب / يوسف المقوسي 

 الفقر يحدث بإرادة الطبقة العليا من أصحاب السلطة حسب برنامج تعده سلفا ويجري تنفيذه لاحقاً. يستطيع الغني أن يقول أنعم الله عليّ بالثروة. يخجل الفقير من نفسه ولا يستطيع القول أنعم الله عليّ بالفقر. لا يستطيع اتهام الله بمصائبه. لكنه يستطيع اتهام السلطة التي تمثّل الله وتحتكره، من مدنيين وعسكريين ورجال دين؛ يستطيع اتهامها بإحداث فقره. الفقر تفرضه الطبقة العليا على الآخرين، وهم الأكثرية، فيصيرون فقراء. في كل مجتمع عدد محدود من الخيرات. عندما تستأثر الطبقة العليا بكمية أكبر من نسبتها لعدد السكان، يكون طبيعياً أن تكون حصة البقية أقل من المعدل بكثير. كل ما يحسب في ثروة المجتمع هو حصيلة عمل العاملين في المجتمع من عمال وفلاحين وموظفين وغيرهم. يعطى هؤلاء أجورهم وهي الحد الأدنى الذي بالكاد يكفي للعيش. وكل فائض عن ذلك تقتطعه الطبقة العليا مستخدمة سلطتها وممارسة سياسة القمع كي تجمع الثروة على حساب الأكثرية ومن حساباتهم. عندما يثور الفقراء لأي سبب من الأسباب المادية والمعنوية تعاقبها الطبقة العليا بما تملكه من قوى أمنية وعسكرية وهيمنة دينية. يبذلون كثيرا من الجهد لتبرير الثروات إلهياً، وعندما لا يقتنع الناس ينزلون العقاب بهم.

أخطر ما تفعله الطبقات الدنيا بنظر علياء القوم هو أن تعي نفسها كطبقة أو طبقات وتنظم نفسها في نقابات وأحزاب وتطالب بحقوقها. بديهي القول أن معظم ما تملكه الطبقة العليا، وهي أقلية عددية، هو حق الطبقات الفقيرة. ملكية الطبقة العليا تحدث عن طريق السيطرة على قوى الأمن والايديولوجيا، وعلى القوى العسكرية والدينية. الأولى للقمع، والثانية لتبرير أعمال السلطة. تأتي التبريرات بحجج دينية إلهية طبعاً. يقول رجال الدين الله أعطى، ولا يجرؤون على القول أن فلاناً وفلاناً وفلاناً سرقوا ونهبوا ما لا يستحقون، أي ما لم يعملوا من أجله. لذلك حرص السلطة، أي الطبقة العليا، على التعيينات في المناصب الدينية، ولا يترك الأمر لاختيار شعبي. السلطة الدينية تهبط من فوق ولا تصعد من العامة. هبوطها من فوق يدعمها بسلطة إلهية تدعيها، وتزعم لنفسها ملكية ما لا تستحق. لا تملك من الله ما لا يملكه الغير. هي تبالغ في مضمون سلطتها الدينية كي تقوم بواجبها في خدمة سلطة المال والسياسة على وجه أكمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى