مقال

أبو عبيدة عامر بن الجرّاح القرشي ” جزء 3″

أبو عبيدة عامر بن الجرّاح القرشي ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع أبو عبيدة عامر بن الجرّاح القرشي، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه يوم السقيفة ” قد رضيت لكم أحد هذيْن الرجلين” يعني عمر وأبا عبيدة، وعن أبي جمعة حبيب بن سباع قال تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، قال فقال يا رسول الله، هل أحد خير منا؟ أسلمنا معك، وجاهدنا معك، قال “نعم، قوم يكونون من بعدكم، يؤمنون بي ولم يروني” وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول “لم أكن مغيرا أمرا قضاه أبو عبيدة ” وأول كتاب كتبه عمر رضي الله عنه حين تولي الخلافة كان إلى أبي عبيدة يوليه على جند خالد رضي الله عنه، إذ قال له ” أوصيك بتقوى الله الذي يبقى ويفنى ما سواه.

 

الذي هدانا من الضلالة وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وقد استعملتك على جند خالد بن الوليد، فقم بأمرهم الذي يحق عليك، ولما عزل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب خالد بن الوليد رضي الله عنهما وولى أبا عبيدة رضي الله عنه، قام خالد رضي الله عنه وقال للناس ” بُعث عليكم أمين هذه الأمة” وقال أبو عبيدة رضي الله عنه للناس عن خالد رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “خالد سيف من سيوف الله، نعم فتى العشيرة” وعن سليمان بن يسار أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه خذ من خيلنا صدقة، فأبى، ثم كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأبى، فكلموه أيضا فكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

 

فكتب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه “إن أحبوا فخذها منهم، وارددها عليهم، وارزق رقيقهم” قال مالك أي ارددها على فقرائهم، وقال يوم السقيفة ” يا معشر الأنصار، إنكم أول من نصر وآزر، فلا تكونوا أول من بدل وغيَّر” ومن أهم كلماته في إثارة حماسة جنده للحرب وتحريضهم على الجهاد مقولته تلك “عباد الله، انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، عباد الله اصبروا فإن الصبر منجاة من الكفر، ومرضاة للرب، ومدحضة للعار، ولا تتركوا مصافكم، ولا تخطوا إليهم خطوة، ولا تبدءوهم بقتال، وأشرعوا الرماح، واستتروا بالدرق، أي الدروع، والزموا الصمت إلا من ذكر الله عز وجل في أنفسكم حتى يتم أمركم إن شاء الله” وقد خرج المجاهد الصابر المحتسب.

 

أبو عبيده إلى الشام مجاهدا وكان قدر الله أن يصاب الناس بمرض الطاعون وروى الذهبي أن وجع عمواس كان معافى منه أبو عبيدة وأهله، فقال ” اللهم نصيبك في آل أبي عبيدة ” فخرجت بأبي عبيدة في خنصره بثرة، فجعل ينظر إليها، فقيل له ” إنها ليست بشيء” فقال ” أرجو أن يبارك الله فيها، فإنه إذا بارك في القليل كان كثيرا ” واقسم أبو عبيده “إني ما أحب أن لي بها حمر النعم” ووأراد عمر بن الخطاب إنقاذه من الموت بفعل أسباب ذلك فأراد له حيلة فكتب إليه إذا أتاك كتابي ليلا فإني أعزم عليك ألا تصبح حتى تركب إلي، و إن أتاك نهارا فإني أعزم عليك ألا يمسي حتى تركب إلي، فلما أخذ أبو عبيدة الكتاب قال قد علمت حاجة أمير المؤمنين إلي فهو يريد.

 

أي يستبقي ما ليس بباق، ثم كتب اليه يقول يا أمير المؤمنين أني قد عرفت حاجتك إلي وإني في جند من المسلمين ولا أجد بنفسي رغبة عن الذي يصيبهم ولا أريد فراقهم حتى يقضي الله في وفيهم أمرا، فإذا أتاك كتابي هذا فحلني من عزمك وائذن لي بالبقاء، فلما قرأ عمر الكتاب بكى حتى فاضت عيناه فقال له من عنده لشدة ما رأوه من بكائه أمات أبو عبيدة يا أمير المؤمنين قال لا ولكن الموت منه قريب، ولقد أمضى أبو عبيدة حياته مجاهدا في سبيل الله، ومات في أرض الفتوح، فقد حضر أبو عبيدة عزوة بدر الكبرى، وأبلى مع غيره من المهاجرين والأنصار بلاء حسنا، وأكثر ما ظهرت قوة العقيدة في لقاء المهاجرين بأهل مكة المشركين، فعامة المهاجرين من قريش.

 

ومعظم جيش مكة من قريش، وبين هؤلاء وهؤلاء قرابة ونسب ورحم، وربما كان الأب في جيش والابن في جيش آخر، وكان الأخ كافرا وشقيقه مسلما، والخال مع المشركين وابن الأخت مع المسلمين، والتقى الفريقان في المعركة، وتم قتل من قتل من المشركين القرشيين بأيدي المسلمين القرشيين، وتوفي أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة من الهجرة، عن عمر ثماني وخمسين سنة، وصلى عليه معاذ بن جبل رضي الله عنه، وقام معاذ في الناس، فحثهم على التوبة، ثم قال إنكم أيها الناس قد فُجعتم برجل، والله ما أزعم أني رأيت من عباد الله عبدا قط أقل غمزا، ولا أبر صدرا، ولا أبعد غائلة، ولا أشد حبا للعاقبة، ولا أنصح للعامة منه، فترحموا عليه رحمه الله، ثم اصحروا للصلاة عليه، فو الله لا يلي عليكم مثله أبدا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى