مقال

الدكروري يكتب عن الفاروق عمر بن الخطاب “جزء 3”

الدكروري يكتب عن الفاروق عمر بن الخطاب “جزء 3”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع الفاروق عمر بن الخطاب، وقد قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه كنا عند ابن الخطاب رضي الله عنه، فقال أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الفتنة؟ فقلت أنا أحفظه كما قال، قال هات، لله أبوك، إنك لجريء، قلت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره، يكفرها الصيام والصلاة والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” فقال عمر ليس هذا أريد، إنما أريد الفتن التي تموج كموج البحر، قلت مالك ولها يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها بابا مغلقا، قال فيكسر الباب أو يفتح؟ قلت لا، بل يُكسر، قال ذاك أحرى أن لا يغلق أبدا، حتى قيام الساعة، وقال أبو وائل الراوي عن حذيفة هل كان عمر يعلم من الباب؟ قال حذيفة نعم، كما يعلم أن دون غد الليلة.

 

إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط، قال أبو وائل فهبنا أن نسأل حذيفة من الباب؟ فقلنا لمسروق سل حذيفة من الباب؟ فقال مسروق لحذيفة من الباب؟ قال حذيفة هو عمر، وإن حذيفة قدّم العلم لعمر رضي الله عنه، بأن الباب المنيع هو الذي يمنع تدفق الفتن على المسلمين، ويحجرُها عنهم، إن هذا سيُكسر كسرا، وسيتحطم تحطيما، وهذا معناه أنه لن يغلق بعد هذا حتى قيام الساعة، وهذا ما فهمه عمر، أي أن الفتن ستبقى منتشرة ذائعة بين المسلمين، ولن يتمكنوا من إزالتها أو توقفها أو القضاء عليها، وحذيفة رضي الله عنه لا يقرر هذا من عنده، ولا يتوقعه توقعا، فهو لا يعلم الغيب وإنما سمع هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعاه وحفظه كما سمعه، ولهذا يعلق على كلامه لعمر قائلا “إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط” أي حدثته حديثا صحيحا صادقا.

 

لا أغاليط ولا أكاذيب فيه، لأنني سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن عمر رضي الله عنه يعلم الحقيقة التي أخبره بها حذيفة، فهو يعلم أن خلافته باب منيع يمنع تدفق الفتن على المسلمين، وأن الفتن لن تغزو المسلمين أثناء خلافته وعهده وحياته، وكان عمر رضي الله عنه يعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه سيقتل قتلا، وسيلقى الله شهيدا، وقال أنس بن مالك رضي الله عنه صعد رسول الله جبل أحد، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف الجبل بهم، فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله، وقال له “اثبت أحُد فإنما عليك نبيّ، وصديق، وشهيدان” وكان من دعاء عمر بن الخطاب، في آخر حجة له سنة ثلاثه وعشرين هجريا، فعن سعيد بن المسيب رحمه الله أن عمر رضي الله عنه لما نفر من منى أناخ بالأبطح فكوم كومة من بطحاء.

 

فألقى عليها طرف ثوبه، ثم استلقى عليها، ورفع يديه إلى السماء، فقال “اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فأقبضني غير مضيع، ولا مفرط” ثم قدم المدينة، وقد طلب الفاروق عمر الشهادة، فعن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر رضي الله عنه قال “اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد نبيك” وجاء في رواية “اللهم قتلا في سبيلك ووفاة في بلد نبيك” فقال عمر رضي الله عنه وأنى يكون ذلك؟ قال يأتي به الله إذا شاء، وقد علق الشيخ ابن المبرد يوسف بن الحسن بن عبد الهادي على طلب عمر للشهادة، فقال وتمني الشهادة مستحب، وهو مخالف لتمني الموت، فإن قيل ما الفرق بينهما؟ قيل تمني الموت، طلب تعجيل الموت قبل وقته، ولا يزيد الإنسان عمره إلا خيرا، وتمني الشهادة هو أن يطلب أن يموت عند انتهاء أجله شهيدا.

 

فليس فيه طلب تقديم الموت عن وقته، وإنما فيه طلب فضيلة فيه، وكان من سياسته رضي الله عنه أنه لا يأذن لسبي بقي على كفره أن يدخل المدينة، أو يعمل فيها، حتى كتب إليه المغيرة بن شُعبة رضي الله عنه وهو على الكوفة يذكر له غلاما عنده صانعا، ويستأذنه في أن يدخله المدينة، ويقول “إن عنده أعمالا تنفع الناس، إنه حدّاد ونقاش ونجار” فأذن له، فضرب عليه المغيرة كل شهر مائة، فشكى إلى عمر شدة الخراج، فقال له “ما خراجك بكثير في جنب ما تعمل” فانصرف ساخطا، فلبث عمر ليالي، فمر به العبد فقال ألم أحدث أنك تقول “لو أشاء، لصنعت رحى تطحن بالريح” فالتفت إليه عابسا فقال “لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها” فأقبل عمر بن الخطاب على من معه فقال “توعّدني العبد”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى