مقال

الدكروري يكتب عن التابعي المثني بن حارثة “جزء 2”

الدكروري يكتب عن التابعي المثني بن حارثة “جزء 2”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع التابعي المثني بن حارثة، وفي هذا تحفيز للمسلمين للصمود والوقوف في وجه الفرس، وأوصى المثنى المسلمين بالصبر والصمت والجهاد، لأن الفرس عندما عبروا إلى المسلمين كانوا يرفعون أصواتهم بالأهازيج والأناشيد الحماسية، فرأى المثنى أن ذلك من الفشل وليس من الشجاعة، وخالط المثنى جيشه مخالطة كبيرة فيما يحبون وفيما يكرهون، حتى شعر الجنود أنه واحد منهم، وكانوا يقولون لقد أنصفتنا من نفسك في القول والفعل، ونظم المثنى جيشه، وأمرهم ألا يقاتلوا حتى يسمعوا تكبيرته الثالثة، ولكن الفرس لم يمهلوه إلا أن يكبر تكبيرة واحدة حتى أشعلوا القتال، وكان قتالا شديدا عنيفا، تأخر فيه النصر على المسلمين، فتوجه المثنى إلى الله تعالى، وهو في قلب المعركة بالدعاء أن ينصر المسلمين.

 

ثم انتخب جماعة من أبطال المسلمين وهجموا بصدق على الفرس فهزموهم، وعندما استشهد مسعود بن حارثة، وكان من قادة المسلمين وشجعانهم وهو أخو المثنى قال المثنى يا معشر المسلمين لا يرعكم أخي، فإن مصارع خياركم هكذا، فنشط المسلمون للقتال، حتى هزم الله الفرس، وقاتل مع المثنى في هذه المعركة أنس بن هلال النمري وكان نصرانيا، قاتل حمية للعرب، وكان صادقا في قتاله، وتمكن أحد المسلمين من قتل مهران، قائد الفرس، فخارت صفوف الفرس، وولوا هاربين، فلحقهم المثنى على الجسر، وقتل منهم أعدادا ضخمة، وقد سميت معركة البويب ” يوم الأعشار” لأنه وجد من المسلمين مائة رجل قتل كل منهم عشرة من الفرس، ورأى المسلمون أن البويب كانت أول وأهم معركة فاصلة بين المسلمين والفرس.

 

وأنها لا تقل أهمية عن معركة اليرموك في الشام، ومن روعة المثنى أنه اعترف بخطأ ارتكبه أثناء المعركة رغم أنه حسم نتيجة المعركة، فقال عجزت عجزة وقى الله شرها بمسابقتي إياهم إلى الجسر حتى أحرجتهم، فلا تعودوا أيها الناس إلى مثلها، فإنها كانت زلة فلا ينبغي إحراج من لا يقوى على امتناع، وإن المثنى بن حارثة الشيباني هو صاحب حرب قبيلة شيبان التي كانت تعيش في أطراف العراق على تخوم إمبراطورية فارس العظيمة، وقد أسلم مع قومه سنة تسع للهجرة، أي في نهاية البعثة النبوية، وبعد إسلامه تحول مباشرة إلى قتال الفرس، فكان أول من قاتل الفرس من المسلمين، وكان يغزو بمن معه من فرسان قبيلته بني شيبان إمبراطورية فارس الكبرى التي كانت تحتل العراق، فكان المثنى يحقق الانتصار تلو الانتصار في مواقعه مع الفرس.

 

لتتطاير أخبار انتصاراته إلى عاصمة الخلافة في المدينة المنورة، وينتمي المثنى بن حارث الشيباني إلى بني شيبان، وبنو شيبان هم أحد فروع بكر بن وائل الذي ينتهي نسبه في ربيعة، وهو في أصله من العدنانيين، وقيل إنهم أهل حل وترحال، أي أنهم كانوا ينتقلون بخيامهم، لا مدن لهم ولا ملك، وإنما كانت لهم رياسة بدوية، وكانت لغتهم عربية وعبادتهم الأوثان يتخذونها من الأحجار، وكانت الحروب دائما ما تنشب بين بكر وتغلب وتميم، وكانت بكر هي التي تهاجم في معظم الحروب لما يلحق بأرضها من جدب وقحط، وقد اشتعلت الحرب بين بكر وتميم اثنتي عشرة مرة فازت تميم بست منها، وفازت بكر بست منها، وكان لبكر أيام جليلة في تاريخ العرب فقد ظهر فيها رجال كان لهم مجد كبير وتاريخ مجيد، ومن هؤلاء هانيء بن قبيصة.

 

صاحب واقعة ذي قال، وبسطام بن قيس فارس بني شيبان صاحب القول المشهور قد علمت العرب أنا بناة بيتها الذي لا يزول ومغرس عزها الذي لا يحول لأنا أدركهم للثأر وأضربهم للملك الجبار وأقولهم للحق وألدهم للخصم، ومنهم مرة بن ذهل بن شيبان وابنه جساس وغيرهم من الرجال الأبطال الكماة الذين دحروا الفرس وفتحوا العراق وأقزعوا الأكاسرة وثلوا عروشهم وحطموا تيجانهم، وزعزعوا إيوانهم، وكان لهذه البيئة أثر في إنماء روحه، ونشوئه على الإيمان بالمبدأ، والتصلب بالعقيدة والجود بالنفس والصدق والجلد والتحمل والعزيمة والصبر والشجاعة والتفنن في ضروب الحرب، وقيل أنه عندما أسلم المثنى بن حارثة كان يغير هو ورجال من قومه على تخوم ممتلكات فارس، فبلغ ذلك الصديق أبا بكر، فقال عمر بن الخطاب من هذا الذي تأتينا وقائعه قبل معرفة نسبه؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى