مقال

الدكروري يكتب عن تحويل القبلة في الشريعة الإسلامية ” جزء 4″

الدكروري يكتب عن تحويل القبلة في الشريعة الإسلامية ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الرابع مع تحويل القبلة في الشريعة الإسلامية، وبالجملة تغيير وتحويل شامل جمعه الله في قوله تعالي في سورة الرعد ” إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم” ويقول تعالي في سورة الأعراف ” ولو أن أهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون” ألا فلنتحول كما تحول الصحابة في حادث تحويل القبلة، نتحول بكل قوة وثقة إلى منهج الإسلام بكلياته وجزئياته، كما تحول الغر الميامين وهم ركوع، ولقد ظل المسلمون طيلة العهد المكي يتوجهون في صلاتهم إلى المسجد الأقصى امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى الذي أمر باستقباله وجعله قبلة للصلاة، وفي تلك الأثناء كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يمتثل للحكم الإلهي وفي فؤاده أمنية كبيرة طالما راودته، وتتمثل في التوجه إلى الكعبة.

 

بدلا من المسجد الأقصى، ذلك لأنها قبلة أبيه النبي إبراهيم وهو أولى الناس به، وأول بيت وضع للناس، ولحرصه على أن تتميز الأمة الإسلامية في عبادتها عن غيرها من الأمم التي حرفت وبدلت، ويدل على ذلك قول البراء بن عازب ” وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة ” رواه البخاري، وما كان لرسول الله أن يخالف أمر ربه، بيد أنه استطاع الجمع بين رغبته في التوجه إلى الكعبة وعدم مخالفة الأمر بالتوجه إلى المسجد الأقصى بأن يصلي أمام الكعبة ولكن متجها إلى الشمال، كما يدل عليه الحديث الذي رواه ابن عباس حيث قال ” كان رسول الله يصلي وهو بمكة نحو المسجد الاقصى والكعبة بين يديه ” رواه أحمد، ثم أذن الله بالهجرة، ووصل المسلمون إلى المدينة، وبُنيت المساجد، وشرع الأذان، والنبي لم ينس حبه للكعبة ويحزنه ألا يستطيع استقبال القبلتين معا.

 

كما كان يفعل في مكة، وكان شأنه بين أن يخفض رأسه خضوعا لأمر الله وأن يرفعه أملا في إجابة دعوته، ويصف القرآن الكريم حال النبي صلي الله عليه وسلم بقوله ” قد نرى تقلب وجهك في السماء” البقرة، وفي منتصف شعبان، وبعد مرور ستة عشر شهرا من استقبال المسجد الأقصى، نزل جبريل عليه السلام بالوحي إلى النبي صلي الله عليه وسلم ليزفّ البشرى بالتوجه إلى الكعبة، قال تعالى في سورة البقرة “فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره” ويحدث الصحابي الجليل البراء بن عازب أن النبي صلي الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أخواله من الأنصار، وأنه صلى قبل المسجد الأقصى ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته إتجاه البيت الحرام.

 

وأنه صلى أول صلاة صلاها مستقبلا الكعبة كانت صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم إتجاه، مكة فداروا كما هم قِبَل البيت، رواه البخاري، وعلى الرغم من انتشار الخبر وذيوعه، إلا أنه تأخر عن أهل قباء حتى صلاة الصبح، فجاء إليهم رجل فقال ” أنزل الله على النبي صلي الله عليه وسلم قرآنا أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها ” فتوجهوا إلى الكعبة” رواه البخاري، ولأن نسخ الأحكام لم يكن معهودا عند المسلمين من قبل، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما ” فأول ما نسخ من القرآن القبلة ” رواه النسائي، لذلك كرر الله الأمر بها تأكيدا وتقريرا ثلاث مرات، فكانت الأولى في قوله تعالى في سورة البقرة.

 

” فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره” والثانية في قوله تعالى في سورة البقرة ” ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون” والثالثة في قوله تعالى في سورة البقرة ” ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم” وقد تباينت ردود أفعال الناس تجاه هذا الحادث غير المألوف، أما المؤمنون فلم يترددوا لحظة عن التحول طاعة لله ورسوله، فامتدحهم الله وبيّن لهم أن هذه الحادثة إنما كانت اختبارا للناس وامتحانا لهم كما قال تعالى في سورة البقرة ” وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى