مقال

الدكروري يكتب عن عدلت شهادة الزور الشرك بالله ” جزء 2″

الدكروري يكتب عن عدلت شهادة الزور الشرك بالله ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع عدلت شهادة الزور الشرك بالله، فاجتنبوا الرجس من الأوثان، ثم قال واجتنبوا قول الزور، فجعل قول الزور فى مقام ومنزلة الشرك بالله تبارك وتعالى، وهذا تأكيد وتحذير شديد على فعل هذا الإثم العظيم، وربنا تبارك وتعالى أثنى على عباده المؤمنين الصالحين فقال كما جاء فى سورة الفرقان ” والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغوا مروا كراما” وذات مرة كان النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، جالسا فقال “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟” قالوا بلى يا رسول الله، قال “أكبر الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين” وكان متكئنا صلى الله عليه وسلم، فجلس وقعد وقال “ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور” يقول الصحابة “فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت”

 

أشفقوا عليه، رحموه صلى الله عليه وسلم، لما رأوا من شدة انفعاله، ولما رأوا من شدة غضبه عند هذه القضية بالذات، ذكر الشرك بالله فلم يكرر ولم يحرج ولم يؤكد، وذكر عقوق الوالدين ولم يفعل شيئا من هذا، فلما جاء إلى شهادة الزور جلس وقعد صلى الله عليه وسلم، وأخذ يكرر “ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور” ويروي لنا أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين أنه سئل عن الكبائر فقال “الكبائر الإشراك، بالله وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور” فإن هذه أكبر الكبائر عند الله تبارك وتعالى، ولهذا الصحابة رضي الله عنهم، وأرضاهم كانوا يربون صغارهم على تعظيم أمر الشهادة، وعدم الاستهانة بها، والخوف منها، فيروي إبراهيم النخعي عن عبيدة السلماني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

 

عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال “خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم” قال صلى الله عليه وسلم “ثم يأتي قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته” أي يأتى أناس يستخفون بأمر الشهادات لا يبالي الواحد بأن يشهد في أي أمر كان، يبادر بإطلاق الحلف والأيمان ويقسم بالله تعالى على أمر ربما لم يره ولم يسمعه “ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته” ويقول إبراهيم النخعي الذي يروى الحديث، قال “وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد” وكان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، يضربوننا ونحن صغار على الشهادة والعهد حتى لا نستهين بها، حتى لا نتساهل فيها، وكانوا ينهون صغارهم عن الشهادات، حتى لا ينشأ الصبى مستسهلا لهذا الأمر، مستخفا به بل ينشأ معظما لأمر الشهادة، يعلم أنها أمر عظيم عند الله تبارك وتعالى.

 

فلقد عرف الصحابة وأدركوا أمر الشهادة وخطر شأنها وعظم ضررها إن هي انحرفت عن مقصودها وخرجت عن مرادها، وقيل أنه في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه كان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، واليا على الكوفة، فجاء أهل الكوفة إلى عمر يشتكون سعدا، وكان أهل الكوفة لا يرضون عن أحد، حتى إنهم شكوا إلى عمر أن سعدا لا يحسن الصلاة، فجاء عمر بن الخطاب رضى الله عنه بسعد وقال له “يا أبا اسحاق، إن أهل الكوفة قد شكوك إلي، حتى إنهم قالوا إنه لا يصلح يصلي” فقال سعد رضي الله عنه وأرضاه “أما إنى والله لأصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أخرم منها شيئا” فقال عمر بن الخطاب ” فذلك الظن بك” لكن عمر كان يتحرى العدل، وكان لا يكتفي بقول الولاة أو حكايتهم عن أنفسهم.

 

فأرسل رجلا أو رجالا مع سعد رضي الله عنه، إلى الكوفة فأخذوا يطوفون على مساجد الكوفة مسجدا مسجدا يسألون الناس عن سعد، فكلهم كانوا يثنون عليه خيرا، حتى جاؤوا إلى مسجد لبني عبس، فقام فيه رجل يدعى أسامة بن قتادة ويكنى بأبي سعدة، وقال “أما إذ نشدتنا، فإن سعدا كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية” لا يسير بالسرية أى لا يخرج مع الجيش ليقاتل، ولا يقسم بين الناس بالسوية أى بالتساوى، فقال سعد رضي الله عنه وأرضاه “أما والله لأدعون بثلاث، اللهم إن كان عبدك هذا كاذبا، قام رياء وسُمعة، فأَطل عمره، وأطل فقره، وعرّضه للفتن” فإن هذا الرجل قام يشهد شهادة أمام رسل عمر بن الخطاب الذين أرسلهم لأجل أن يتثبتوا من شأن سعد رضى الله عنهما، فقام يشهد شهادة يدعي أنها شهادة لله وهو كاذب فيها وهو شاهد زور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى