مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن سيد الناس ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن سيد الناس ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام إبن سيد الناس، وكان من أبرز مشايخه أيضا الذين ارتحل إليهم وكان لهم عظيم الأثر في حياته وتكوين شخصيته العلمية والأدبية أستاذه الفقيه ابن دقيق العيد وقد كان يحبه ويؤثره ويصغي إلى كلامه ويثني عليه، ومن مشايخه أيضا الإمام البدر ابن جماعة، والقاضي شمس الدين ابن العماد، وابن المجاور، وابن عساكر، أما تلاميذه فكان من أشهرهم الحافظ الذهبي الذي قال عنه “سمعت بقراءته وجالسته مرات وحفظت عنه وأجاز لي مما قرأت بخطه” ومن أشهرهم كذلك الصفدي، وللحافظ ابن سيد الناس قصائد كثيرة، وشعر متعدد الأغراض، وصف بالسهل الرقيق، قال عنه الشيخ الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات ” وشعره رقيق سهل التركيب منسجم الألفاظ عذب النظم وترسله جيد، وكان النظم عليه بلا كلفة يكاد لا يتكلم إلا بالوزن”

 

وكان جده محمد أحد الحفاظ المحدّثين المشهورين، وبه خُتم هذا الشأن بالمغرب، وتوفي سنة ستمائة وتسع وخمسون للهجرة، وكذلك كان والده محدثا حافظا، ورحل من الأندلس إلى الديار المصرية وبصحبته نسخه المعتمدة من أمهات الكتب الحديثية مثل مصنف ابن أبي شيبة ومسنده، ومصنف عبد الرزاق، والمحلى لابن حزم، والتمهيد والاستيعاب والاستذكار، وتاريخ ابن أبي خيثمة ومسند البزار، وكان عالما باللغة والعربية وله نظم، وولي مشيخة المدرسة الكاملية وتوفي سنة سبعمائة وخمسه من الهجرة وكان له ستون سنه، وقد آلت كتبه النفيسة هذه إلى ابنه فتح الدين، والطريف أن الأب، وهو محمد بن محمد، كان له أربعة أولاد سماهم كلهم محمد، وهم أبو سعد، وأبو سعيد ، وأبو القاسم، ثم أبو الفتح الذي نتحدث عنه، وكان حريصا على أن يسير أولاده على درب العلم والتعلم.

 

فأحضرهم مجالس التحديث، ولهم جميعا مشاركة في العلم والحديث، رحم الله الجميع، وترك الحافظ ابن سيد الناس للأمة مصنفات عديدة منها ما هو مطبوع متداول في عصرنا هذا، ومنها مالا يزال مخطوطا في المتاحف والمكتبات الخاصة، ومنها ما فقد وأشارت إليها كتابات المؤرخين وهي عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، ونور العيون في تلخيص سيرة الأمين المأمون وهو مختصر لكتاب عيون الأثر، والمقامات العلية في كرامات الصحابة الجلية، والنفح الشذي في شرح جامع الترمذي، ومنح المدح، وبشرى اللبيب بذكرى الحبيب، وتحصيل الإصابة في تفضيل الصحابة، والعباب في الفروع، وسار بفتح الدين والدُه في طلب العلم وهو رضيع، فقد أتى به في سنة مولده إلى المحدث نجيب الدين عبد اللطيف بن عبد المنعم الحراني.

 

المولود سنة خمسمائة وسبعة وثمانون للهجرة، والمتوفى سنة ستمائة واثنين وسبعون للهجرة، فقبله وأجلسه على فخذه وكناه أبا الفتح، وسمع ابن سيد الناس من أخيه عز الدين الحراني، وعبد العزيز بن عبد المنعم، مسند الديار المصرية، وهو المولود سنة خمسمائة وأربعة وتسعون، والمتوفى سنة ستمائة وست وثمانون للهجرة، وأحضره والده وهو في الرابعة ليسمع على قاضي القضاة شمس الدين المقدسي الحنبلي، محمد بن إبراهيم بن أبي السرور المولود بدمشق سنة ستمائة وثلاثة للهجرة، والمتوفى بالقاهرة سنة ستمائة وست وسبعون للهجرة، وسمع على شهاب الدين ابن الخيمي، محمد بن عبد المنعم الأنصاري اليمني ثم المصري، المتوفى سنة ستمائة وخمس وثمانون للهجرة عن أكثر من أثنين وثمانين سنة، وكان من أهم مروياته جامع الترمذي، وكان صاحب علم وأمانة.

 

معروفا بالأجوبة المسكتة والحلم البالغ، وإلا أن الأدب والشعر غلبا عليه فصار الشاعر المقدم في شعراء عصره، وقد أجمعت المصادر على أن الحافظ ابن سيد الناس قد توفي فجأة في الحادي عشر من شهر شعبان سنة سبعمائة وأربعة وثلاثون من الهجرة، وذكر في ذلك “أنه دخل عليه واحد من الإخوان يوم السبت حادي عشر شعبان فقام لدخوله ثم سقط من قامته فلقف ثلاث لقفات، ومات من ساعته” وقال عنه معاصره الأدفوي مبينا فضله ومكانته ” ولم يخلف بعده في القاهرة ومصر من يقوم بفنونه مقامه، ولا من يبلغ في ذلك مرامه، أعقبه الله السلامة في دار الإقامة ” ورحل أبو الفتح ابن سيد الناس إلى دمشق في سنة ستمائة وتسعون من الهجرة ليسمع من محدث كبير معمر هو فخر الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن قدامة المقدسي، ويعرف بابن البخاري نظرا لأن أباه أقام ببخارى مدة في طلب العلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى