مقال

الدكروري يكتب عن العنف في الخصومات. 

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن العنف في الخصومات.
بقلم / محمـــــد الدكــــــرورى

يعيش الإنسان فى هذه الحياه يعمل ويلهو ويمرح ولا تستفاد من كل ذلك طيلة حياتة إلا بالأعمال الصالحات، لأن بعد الموت ما هو إلا حسنات وسيئات، ومن كثرت حسناته نجا ومن زادت سيئاته فحاله في الآخرة عسير، فقدموا لأنفسكم خيرا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم موضحا لنا جميعا ومعلما ” دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء وهي الحالقه، أما إني لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا ناصحا وهاديا ” ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، قالوا بلي، قال ” صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقه، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين” وإن من هجرة أخاه سنه فهو كسفك دمه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا”

وإن من حقق النظر تبين أن أهم الأسباب لإضطراب الأمن وكثرة الجرائم هي اللدد أي هي الشدة والعنف في الخصومات وإندفاع المتخاصمين في التنازع والشقاق، والمشاكل تحدث بين الزوج والزوجة وبين الجار وجاره، بين الأب والأبناء، بين الأخ وأخيه، وبين أفراد العائلة الواحدة، وبين أفراد المجتمع بشتى مواقع عملهم، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الناس بالسماحة في المعاملة وفي قضاء الحقوق وأمر بالإصلاح بين الناس والتوفيق بين المتخاصمين، ونهى عن الظلم والعدوان وآكل مال الفقير أو جحود حقه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “رحم الله رجلا سمحا إذا باع واذا اشترى وإذا اقتضى” وقال صلى الله عليه وسلم ” خياركم من إذا كان عليه الدين أحسن القضاء وإذا كان له أجمل الطلب، وشراركم من إذا كان عليه الدين أساء القضاء وان كان له أفحشت الطلب”

ويُحب الإسلام لأتباعه الجماعة والوئام ويكره لهم التباغض والخصام، وأنت لو قرأت نصوص القرآن كلها لوجدتها تدعوك إلى الجماعة والألفة وتنهى عن البغضاء والفرقة وحسبك بسورة الفاتحة التي تقرؤها كل يوم سبع عشرة مرة على أقل تقدير، فلو أن امرءا كان يصلي في الليل وحده، في غرفته الخاصة ولا يعلم به إلا ربه، وأراد أن يقرأ سورة الفاتحة لقال فيها “إياك نعبد وإياك نستعين” مع أنه يصلي وحده، والمتبادر للذهن أن يقول إياك أعبد وإياك أستعين، ولكنه يقول إياك نعبد وإياك نستعين، ولو قال إياك أعبد وإياك أستعين لبطلت صلاته ولردها الله تعالى في وجهه ولم يقبلها منه، كأن الله تعالى يريد منا أن نأتي إليه جماعة متآلفين ولا يريد منا أن نأتي إليه أفرادا متخاصمين، ثم تقول إهدنا الصراط المستقيم، ولا تقول إهدني ولو قلتها لبطلت صلاتك.

والجامع إسم من أسماء الله تعالى، والمسجد الذي نقيم فيه صلاة الجمعة إسمه جامع، وصلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد، وصوم رمضان دعوة إلى الجماعة فكل المسلمين في أنحاء العالم يبدؤون توقفهم عن الطعام مجتمعين عند أذان الفجر ويبدؤون طعامهم مجتمعيين عند أذان المغرب، والحج دعوة إلى الجماعة، فثلاثة ملايين حاج وربما أربعة يجتمعون في ساعة واحدة على صعيد واحد يوم عرفة وفي لباس واحد، في توجه واحد إلى الله عز وجل، وهكذا فإن الإسلام كله دعوة للجماعة ونفرة من الفرقة والإسلام دين مثالي واقعي، فهو يدعوا إلى ترك الخصومات وعدم إحداثها أصلا، وهذه مثالية، لكنه يؤدب أتباعه بأدب الخصومة فيما لو وقع بين أفرادهم صدام أو خصام، وهذه واقعية فما هي آداب الخصومة في الإسلام؟

ويجب مراقبة الله تعالى في الخصومة لأن الله تعالى مطلع الآن، وستعاد الخصومة أمامه يوم القيامة، فقد روى الترمذي عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال لما نزلت الآية الكريمة ” ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون” قال الزبير يا رسول الله أتكرر علينا الخصومة يوم القيامة، بعد الذي كان بيننا في الدنيا؟ قال نعم، قال إن الأمر إذن لشديد أن نقول يوم القيامة الشيطان وسس لي يا أخي هذا لا ينفعك لا يغني عنك الشيطان من الله شيئا، وقال تعالى ” كل نفس بما كسبت رهينة” قال تعالى ” ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر” فمهما أردت أن تقول في الخصومة فقل، لكن اعلم أن الله يراقبك، وستعرض عليه الخصومة يوم القيامة وسيطلب منك أن تعيد الكلام نفسه الذي قلته في الدنيا، فإن كان حقا نجوت وإن كان باطلا خُصمت.

ومهما أردت أن تكتب في مذكرة الادعاء أو في مذكرة الدفاع في المحكمة اكتب، لكن إعلم أن الأوراق نَفسها ستعرض يوم القيامة على محكمة قاضيها رب العالمين، فإن كان ما كتبت حقا نجوت وإن كان باطلا خُصمت، مهما أردت أن تزور توقيعا أو أن تغيّر تاريخ عقد أو أن تبدل إسما مكان إسم افعل، لكن إعلم أن الخصومة ستعاد يوم القيامة أمام الله أورد السيوطي في تفسيرها ” ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون” يؤخذ للمظلوم من الظالم، وللمملوك من المالك، وللضعيف من الشديد، وللجلحاء من القرناء حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى