مقال

الدكروري يكتب عن الإمام ابن جهور ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام ابن جهور ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وعاش ابن حيان أكبر مؤرخ عربي ظهر في الأندلس أطول حقبة من حياته في كنف بني جهور، في خلافة هشام المعتد بالله، ولما غادر يحيى بن علي الحمودي قرطبة بعد أن ترك حامية بربرية فيها وذلك في المحرم من عام ربعمائة وسبعة عشر متجها إلى مالقة ثار أهل قرطبة على الحامية البربرية، وقتلوا ألفا منهم، واجتمع أمرهم على رد الأمر إلى بني أمية، وكان عميدهم في ذلك الوزير أبا الحزم جهور بن محمد، الذي أرسل إلى أهل الثغور والمتغلبين هنالك على الأمور، وعرض عليهم الأمر فقبلوه، وأجمعوا على مبايعة هشام بن محمد بن عبد الملك بن الناصر لدين الله، وكان مقيما في منفاه بالبُونت عند أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن قاسم الفهري المتغلب بها، فبايعوه في شهر ربيع الأول سنة ربعمائة وثماني عشر من الهجرة، وتلقب بالمعتد بالله، وبقي على ذلك خليفة يخطب له في قرطبة وهو في منفاه، وعزم المعتد بالله على القدوم إلى قرطبة عصبة المُلك والخلافة.

 

وذلك بعد سنتين من مبايعته، فقدمها في ذي الحجة عام ربعمائة وعشرين من الهجرة، ولبث فيها سنتين حتى أساء السيرة، وتعرض وزراؤه لظلم الرعية، فثار أهل قرطبة عليه، فخلعوه وخرج هو وأهله وخدمه في ذي الحجة لعام ربعمائة واثنين وعشرين من الهجرة، واجتمع أهل قرطبة وأجمعوا أمرهم على إلغاء الخلافة الأموية، والتخلص نهائيا من بني أمية وإجلائهم خارج قرطبة وكان عميدهم في ذلك الوزير أبا الحزم جهور بن محمد، وغدت قرطبة بلا خلافة ترفعها ولا خليفة يجمعها وانتهى عهد الخلافة الأموية في بلاد الأندلس إلى الأبد، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وبذلك انفرط عقد الأندلس منذ تلك اللحظة فالخلافة وإن كانت ضعيفة إلا أنها رمز لجمع الكلمة وتوحيد الصف، إذا وجدت من يحمل رسالتها الخالصة وأخذها بحقها، ولكن تلك سنة الله في بناء الدول وانحدارها، وما أشبه الليلة بالبارحة فمنذ أن ألغيت الخلافة العثمانية وحال المسلمين.

 

 

كما نرى رقاع متناثرة، ودول متناحرة، لا يجمعهم إلا القومية والعصبية الجاهلية، وبدأت أنظار القرطبيين تتجه صوب الوزير الحازم المعروف برأيه وحسن تدبيره وصلاح سيرته ليتولى أمور قرطبة بعد طرد الأمويين والحموديين من قرطبة، وهكذا اختير الوزير أبي الحزم بن جهور رئيس الجماعة وكبير قرطبة، اختيارا شرعيا شوريا للاضطلاع بتلك المهمة الخطيرة، وذلك في منتصف ذي الحجة عام ربعمائة واثنين وعشرين من الهجرة، ولبيان حال خلافة هشام المعتد وعزله ويقول ابن عذاري افتتحت بيعته بإجماع وخُتمت بفرقة، وعُقدت برضا وحُلت بكراهية، ومن هذا التاريخ بدأت دولة بني جهور بقرطبة، وهكذا ينتمي أبو الحزم بن جهور إلى بيت عريق من بيوت الشرف والوزارة في بلاد الأندلس منذ أن دخلها الأمير الأموي عبد الرحمن بن معاوية الملقب بصقر قريش، وظلت في عقبهم إلى أن آلت إليه وفي ولده من بعده.

 

وكان جده يوسف بن بخت بن أبي عبدة من الفرس وهو مولى عبد الملك بن مروان، وكان قد دخل الأندلس مع طالعة بلج بن بشر، وكان من كبار موالي بني أمية في قرطبة قبل دخول عبد الرحمن بن معاوية إليها، ولما دخلها كان من أنصاره، وولي وزارته وحجابته، وكان ذا دين وفضل وخير، كما تولى القيادة والحجابة في عهد هشام الرضي بن عبد الرحمن الداخل ، ومن بعده للحكم الربضي، وظلت الوزارة في عقب يوسف بن بخت بن أبي عبدة الفارسي، فوليها حفيده عبد الملك بن جهور للأمير عبد الله بن محمد وأمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر، وتولى ولده جهور بن عبد الملك الوزارة في عهد الناصر أيضا، كما تولي أبو الوليد محمد بن جهور بن عبد الملك الخزانة لعبد الرحمن الناصر، وولي الوزارة في عهد المنصور بن أبي عامر، ثم تولى أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور الكتابة لعبد الرحمن المنصور المعروف بشنجول.

 

وهو آخر من تولي الدولة العامرية، وعاش أبو الحزم جهور الفتنة، وراقب الأحداث والتقلبات التي عانتها الخلافة في قرطبة، حتى آلت لعلي بن حمود الذي استوزره، ثم شهد ما حدث بين يحيى بن علي الحمودي وعمه القاسم بن حمود وتبادل الخلافة بينهما، ثم خروج علي بن حمود من قرطبة إلى مالقة، وكان هو زعيم الثورة القرطبية على بني حمود، ثم استقدامه هشام المعتد، ثم ثورة أهل قرطبة التي تزعمها على هشام المعتد وطرده هو وبني أمية والمروانية كلهم من قرطبة، وبقيت قرطبة بلا حاكم أو خليفة، وهنا اتجهت أنظار أهل الرأي والمشورة في قرطبة إلى صاحب الزعامة الشعبية وحسن التدابير في الوزارة والحكم، وكان هو أبو الحزم جهور بن محمد فهو كبير الجماعة ورئيس مجلس الشورى وزعيم قرطبة، فأصبح هو رئيس الحكومة القرطبية بإجماع أهلها ورؤسائها وأهل الرأي فيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى