مقال

الدكروري يكتب عن الأمل والطموح.

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الأمل والطموح.

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

إن ثقة الإنسان بنفسه واستعانته بالله عز وجل تؤهله للاستفادة بما أعطاه الله تعالى ومن به عليه من طاقات مهملة، وهي المدخل لكل من يريد النجاح في ميادين الحياة المختلفة، أما عندما تنعدم هذه الثقة ويشعر المرء بعدم قدرتِه على النجاح، ولا يملك الثقة بنفسه، وينهار أمام ضغوط الحياة النفسية والاجتماعية وغيرها، فسيدخل في نفق مظلم لا نهاية له للوصول لأهدافه، كما أن الثقة بالنفس تعد العامل الأكبر في سحق كل ما تنفطر عنه النفس من مشاعر الخوف والقلق والخجل، والطموح أمر مطلوب من المسلم ومبدأ مهم في حياته والطموح من الصفات المهمة التي ينبغي أن يتصف بها المسلم وخاصة المسلم الذي توكل إليه أمور المسلمين ويستأمنه ولي الأمر على مصالح الناس، والطموح هو السعي إلى تحقيق الأهداف والغايات، ويعني أهداف الشخص أو غاياته.

 

أو ما ينتظر منه القيام به في مهمة معينة، أو هو المستوى الذي يرغب الفرد في بلوغه، أو يشعر أنه قادر على بلوغه، وهو يسعى لتحقيق أهدافه في الحياة وإنجاز أعماله اليومية، وإن من الخصال الجميلة، والخلال الحميدة، والأخلاق العالية الرفيعة هو الهمة العالية، والناس إنما تعلو أقدارهم، وترتفع منازلهم بحسب علو هممهم وشريف مقاصدهم، وقال بعضهم، علو الهمة هو استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور، ومعنى ذلك أن المؤمن لا تنتهي إنجازاته في أمور دينه ودنياه، بل كلما انتهى من إنجاز سعى إلى آخر، وهكذا حال صاحب الهمة العالية، والاختبارات في هذه الأيام هي الشغل الشاغل والقضية النازلة، عند أكثر الناس، فقل ما تجد بيتا من بيوت المسلمين ولا أسرة من أسر المجتمع إلا وفيه على الأقل طالب أو طالبة بانتظار نتيجة عام دراسي وحصيلة مرحلة تعليمية.

 

ولا شك في تفاوت هؤلاء في طموحاتهم فمنهم من يتطلع للمراكز العالية ومنهم من يتمنى أقل مراتب النجاح، والطموح إذا هو مدخل للنجاح لأنه يفجر في الشخص الطاقات الكامنة، ويدفعه نحو استنفار كل قواه العقلية والبدنية والنفسية، من أجل تحقيق مآربه في الحياة، ويقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ” قدر الرجل على قدر همته” فالهمة العالية تنبت طموحا رفيعا، والطموح الرفيع ينبت نجاحا باهرا، والثقة بالنفس من المقومات الرئيسة لكل من ينشد النجاح، ويمكن تعريفها بأنها “الإيمان بما تملك من قدرات ومواهب وإمكانات، ومن ثم صهر هذه القدرات في بوتقة الحياه، وعن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه قال رأيت أخي عمير بن أبي وقّاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلي الله عليه وسلم، يوم بدر يتوارى ، فقلت ما لك يا أخي؟

 

قال إني أخاف أن يراني رسول الله صلى اللّه عليه وسلم فيستصغرني فيردني، وأنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة، قال فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فردّه، فبكى فأجازه، فكان سعد رضي الله عنه يقول فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره، فقتل وهو ابن ست عشرة سنة، وعن سليمان بن بلال رضي الله عنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى بدر أراد سعد بن خيثمة وأبوه جميعا الخروج معه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمر أن يخرج أحدهما، فاستهما، فقال خيثمة بن الحارث لابنه سعد رضي الله عنهما إنه لابد لأحدنا من أن يقيم، فأقم مع نسائك، فقال سعد لو كان غير الجنة لآثرتك به، إني أرجو الشهادة في وجهي هذا، فاستهما، فخرج سهم سعد فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، فقتله عمرو بن عبد ودّ.

 

فمن أَحب اللذة ودوامها، والعيش الطيب، فليجعل لذة الدنيا موصلة إلى لذة الآخرة، بأن يستعين على فراغ قلبه لله، فيخلص في عبادته، ويتناول ما يعرض له من ملذات الدنيا على أساس الاستعانة والقوة على الطاعة والعبادة، لا لمجرد الشهوة والهوى، حتى وإن كان ممن لم يدرك لذات الدنيا وطيباتها، فليجعل ما نقص منها زيادة في لذة الآخرة، ويجاهد في منع نفسه منها بالترك ليستوفيها كاملة في الآخرة، فطيبات الدنيا ولذاتها نعم العون لمن صح طلبه لله والدار الآخرة، وكانت همته لما هناك، وبئس القاطع لمن كانت هي مقصوده وهمته وحولها يدندن، وفواتها في الدنيا نعم العون لطالب الله والدار الآخرة، وبئس القاطع النازع من الله والدار الآخرة، ولا شيء أفسد للقلب من التعلق بالدنيا والركون إليها فإن متاعها قليل، ولا تطمعوا بالإقامة فيها فإن البقاء فيها مستحيل.

 

كيف لا والمنادي يناجي كل يوم يا عباد الله، الرحيل، الرحيل، فالموت ما فيه فوت ولا تعجيل، ولا يقبل الفداء ولا التبديل، فلنستعد له فإنه أقرب إلينا من حبل الوريد، وإن أصحاب العقول الراجحة يقارنون بين ملذات الدنيا، وملذات الآخرة، وهنا يرجحون دون أدنى شك الآخرة على الدنيا، ويستصحبون معهم قطع الأمل في هذه الدنيا، ويحسون أنهم في غربة، وأنهم مسافرون عنها، وعما قليل سيرحلون، وهذا الرحيل إجباري، وليس اختياريا، وإذا وسوس لهم الشيطان، وألقى في روعهم أنهم شباب، وأنهم في صحة وعافية، وبإمكانهم الرجوع إلى الطاعة، والإقبال على الآخرة في سن متأخرة، فإنهم يطردون هذا الوسواس باستحضار الذين رحلوا شبابا، وكهولا وهم الآن تحت الثرى، ومتى وقف المسلم وقفة محاسبة وهو في المقبرة.

 

تذكر من عاش وفاتهم من الصغار والكبار والأغنياء والفقراء، والرجال والنساء، وجزم أنه بعد وقت سيثوى معهم، وهنا لا ينفعه إلا عمله الصالح، فهذا يعطيه دافعا للعمل، وزيادة الطاعة والعبادة، وهنا يتجهز للآخرة بعمل الطاعات إذ لا يدري متى يُنادى عليه بالرحيل، وكلما زاد تعلق العبد المؤمن بالآخرة، خفت روحه وسمت وتلذذت بأنواع العبادة، وزهدت في الدنيا ومتاعها الزائل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى