مقال

إكتمال الصورة الإنسانية لأبو البشر

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن إكتمال الصورة الإنسانية لأبو البشر
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمدا عليه الصلاة وأتم التسليم، أما بعد قيل أنه بعد اكتمال الصورة الإنسانية لآدم عليه السلام، قدمه الله تعالي للملائكة، وأمرهم بالسجود له، سجود تكريم ورفعة شأن غير أن إبليس لم يستجب لأمر الله في السجود، فأبى أن يكون مع الساجدين، والسجود لآدم من قبل الملائكة هو سجود ينسحب على كافة ذريته فالعاقل من البشر عندما يستذكر ذلك ينشط في طاعة الله عرفانا منه لهذا التكريم، ولهذه المخالفة من إبليس وإغضابه ربه وعصيانه العلني استحق غضب الله، والطرد واللعن والخلود في جهنم، لكن إبليس الذي علم مصيره المحتوم في جهنم لم يشأ أن يدخلها قبل أن يبث كامل شره بين الخلق.

حتى يدخلها بمرتبة الأذى العليا لذلك تنمر وكشر عن أنيابه وما تأجج في داخله من غضب وحقد، فابتدأ عداوته السافرة لآدم، وطلب من ربه أن يؤخره إلى يوم القيامة لكي يقوم بإغوائه وإغواء ذريته، ولقد قال إبليس كل هذا، وهذا دليل حقده وحسده، ومحاولته إيجاد مبرر لفعلته النكراء، وهذا فعل كل حسود وحقود، يصعد في التسويغ وسوق الحجج كي تقبل منه، لكنه لا بد وأن يقع بزلة لسانه، التي أخبرت عن حقده وحسده وجحوده، وبدأت العداوة بين إبليس وآدم بشدة فآدم يتقيه بالاستعانة بالله والبعد عنه ما أمكن إلى ذلك سبيلا، وإبليس قد توعد آدم وذريته بالويل والثبور وعظائم الأمور، لا يكف عن الإغواء ساعة من زمن، خصوصا لما لعنه الله وطرده من رحمته، وعرف مصيره المحتوم في النار.

فأصبح محموما يريد الشر لكل مخلوق، وتأمل هذه المحاورة لكي تتعرف على حقد إبليس على آدم ومن بعده على بنيه، أنه يعلم أنه خسر كل شيء للأبد، وطرد مما كان فيه من نعيم، سواء الضمير في منها راجع إلى الجنة أو إلى المكانة التي كان عليها قبل العصيان، فقد تبدل حسنه يوم كان ذا مكانة عالية إلى قبح بعد أن سفل فهو أقبح مخلوق في هذا الكون، إنه يستشيط غضبا ولا يبالي بما يفعل، يود لو أن له شيئا من قوة لدمر الكون، ولكن هيهات، فهو أضعف من ذبابة أمام صمود المؤمن وتمسكه بتعاليم خالقه، إنه القهر الذي يذله، فلقد أذله آدم الإنسان الذي بدا له ضعيفا، فحرمه من مجده ومكانته، حيث أظهر كامن حقده وحسده وتكبره، فليس عنده بعد أن صب الله عليه اللعنة مهادنة أبدا ولا تراجع عن حقده وكراهيته للبشر.

لقد أعد لهم الشرور، وتفنن في التنويع والتنكيل، ولكن إيذاؤه للإنسان لا يكون إلا بقدر ما يستجيب هذا الإنسان لوسوسته فاتقاؤه بالتمسك بالدين، وما وصانا به الله عز وجل عن طريق رسله صلوات الله عليهم أجمعين لذلك عرفنا الله أن الطريق إلى الله واضحة مستقيمة، فمن سلكها وتمسك بها كان مستثنى من الإغواء، فلا يصل إليه شر الشيطان، وأما آدم عليه السلام فقد علا ذكره وشاع خبره بين الملأ الأعلى، وفاز بالتكريم، كما فاز بسكنى الجنة، ولكن أين لآدم الزوجة ونعلم أنه لم يكن معه زوجه عند الأمر بالسجود له؟ فهذا الخطاب على ما سيكون لأن زوجته معه يحملها أحد أضلاعه، وقال في فتح القدير “قال لما سكن آدم الجنة كان يمشي فيها وحشا ليس له زوج يسكن إليها، فنام نومة فاستيقظ وإذا عند رأسه امرأة قاعدة، خلقها الله من ضلعه” وهناك كانت لباسا له، وكان لباسا لها، وسكن لها، وسكنت له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى