مقال

علاقات المصالح والأوهام ” جزء 2″

علاقات المصالح والأوهام ” جزء 2″

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع علاقات المصالح والأوهام، وكذلك الندم على كل ماقدمه هذا الشخص من تضحيات لهذا الحبيب أو الصديق المخادع، وتتولد عدم الثقه بالاشخاص الآخرين، ويتم تكوين فكره سيئه وصورة مشوهه لكل من يحاول الارتباط او القرب من هذا الشخص المخدوع، ويعتقد بأن كل الناس كاذبين ومخادعين، وإن الإسلام بتشريعاته أرسى دعائم المجتمع بحفظ الحقوق العامة، والخاصة من التعدي بأي صورة من صور التعدي، فلا يجوز لأحد كائن من كان أن يتعدى، أو يستخدم سلطته في تحقيق مصالحه الخاصة البتة، وقد كانت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام، وسلف الأمة الصالح رضي الله عنهم زاخرة بالمواقف الناصعة، والمشرقة في المحافظة على المصالح العامة، وعدم استخدام المصالح الخاصة.

 

 

بل جعلوا مصالحهم الخاصة مسخرة لخدمة المصالح العامة، ومن الأمثلة التطبيقية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء في الحديث الشريف عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أن قريش أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَكَلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال “أتشفع في حد من حدود الله ” ثم قام فخطب، قال ” يا أيها الناس إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها” والحديث الشريف يتضمن المحافظة على المصالح الخاصة، وتتمثل في عدم التعدي على حقوق الآخرين.

 

وإيذائهم بسرقة أموالهم، كما يتضمن المحافظة على المصالح العامة بتطبيق الحق العام، وهو إقامة حد السرقة على السارق، وفيه ردع لكل من تسوّل له نفسه التعدي على حقوق الآخرين سواء عامة، أو خاصة، وقد تضمن الحديث الشريف فوائد تربوية عظيمة جدا ترسم منهجا واضحا في المحافظة على المصالح العامة، والمصالح الخاصة على حد سواء، ومن هذه الفوائد هو المحافظة على الحق العام بتطبيق شرع الله تعالى على كل من وجب عليه حد من حدود الله تعالى، وهذا من أهم وأعظم المصالح العامة التي تجب المحافظة عليها، وكذلك قسَم الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق بقطع يد ابنته فاطمة الزهراء الشريفة رضي الله عنها فيما لو سرقت، وحاشاها رضي الله عنها، وهذا تأكيد منه صلى الله عليه وسلم.

 

بأنه أول من يحافظ على المصالح العامة، وعدم محاباة من له صلة قرابة في تقديم المصالح العامة لصالحه دون غيره، وكذلك بيان الآثار السلبية لتفشي تقديم المصالح الخاصة على المصالح العامة، وأنها دليل الضلال، والهلاك للأمم في شؤون الحياة كلها الاقتصادية، والسياسية، والتربوية، والاجتماعية، والثقافية، وهذا توجيه نبوي شريف بأن الأمم السابقة قد ضلت وهلكت عند عدم المحافظة على المصالح العامة بإقامة العدل، والمساواة بين الجميع، وكذلك الاهتمام والعناية بشدة إنكار عدم المحافظة على المصالح العامة، وتسلط المصالح الخاصة، وكَشف خيانة من يثبت تعديه على المصالح العامة ليكون أبلغ في الإنكار، وعبرة للغير، وكذلك السرعة في معالجة ذلك بالوسائل الممكنة، فقد قام الرسول صلى الله عليه وسلم بإلقاء خطبة بليغة تحتوي على عبارات قصيرة.

 

ولكن تحتوى معاني واسعة ترسم وتوضح منهج الإسلام في قضية رعاية المصالح العامة، وعدم تسلط المصالح الخاصة عليها، وكذلك وضع القوانين، والعقوبات اللازمة، والرادعة لكل من تسوّل له نفسه الاعتداء على حق المال العام، وكذلك شدة غضب الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنكاره لأسامة رضي الله عنه في هذا الموضوع لأنه من الموضوعات المهمة التي لا تقبل المسامحة، أو التنازلات، لأنه سيترتب عليها فساد، وضلال، وهلاك للمجتمع، وأيضا تحذير الناس وتنبيههم إلى خطورة الشفاعة المفسدة وليست الحسنة، والتي يسعى لها بعض الناس دون إدراك ووعي في أنها تعدي على المصالح العامة، واهتزاز للموازين في العدل، والمساواة بين الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى