مقال

الدكروري يكتب عن الإمام أبو حاتم الرازي ” جزء 2″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام أبو حاتم الرازي ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام أبو حاتم الرازي، وإن سير حفاظ السنة النبوية وأخبارهم، وما أبلوا فيه شبابهم من طلب العلم والرحلة في تحصيله، وتحمل مشقة السفر والسهر والجوع والعطش والفقر، وصبرهم على ذلك لنماذج يجب أن تدرس للشباب المسلم ليفاخروا بدينهم الذي حفظه الله تعالى بهمم أسلافهم وليقتدوا بأولئك العظماء من علماء الحديث الذين علت هممهم في شبابهم، فتعبت في تحصيل العلم وجمع الحديث وطرقه أجسادهم، فخلفوا لنا تراثا لا مثيل له عند أمة أخرى، فيقول تعالي في سورة الأنعام ” أولئك الذين هدي الله فبهداهم اقتده” وإن علم الرواية في الإسلام من أدق العلوم وأشقها، وأفنى فيه رجال أعمارهم ليحفظوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي جهلة لا يحسنون الوضوء، ولا يتقنون الفاتحة ليشككوا الناس في السنة النبوية.

وهم من أجهل الناس بالعلوم والمعارف، وإلا فإن أعداء الإسلام من المستشرقين الذين درسوا علم الرواية والحديث لينقدوه بُهروا بما فيه من الدقة والضبط والإتقان، حتى قال مستشرق إنجليزي “ليفتخر المسلمون ما شاءوا بعلم حديثهم” وقال مستشرق آخر ألماني “إن الدنيا لم تري ولن ترى أمة مثل المسلمين، فقد دُرس بفضل علم الرجال الذي أوجدوه حياة نصف مليون رجل” والنقل في ذلك يطول، وليبقي أهل الجهل في جهلهم، وقد روى عن كثير من شيوخ تلك الحواضر، فقال أبو حاتم اللبان الحافظ “قد جمعت من روى عنه أبو حاتم الرازي، فبلغوا قريبا من ثلاثة آلاف” وقال أحمد بن سلمة النيسابوري “ما رأيت بعد إسحاق ومحمد بن يحيى أحفظ للحديث من أبي حاتم الرازي، ولا أعلم بمعانيه” وقال ابن أبي حاتم سمعت يونس بن عبدالأعلى يقول “أبو زرعة وأبو حاتم إماما خراسان.

ودعا لهما، وقال بقاؤهما صلاح للمسلمين” وروى ابنه طرفا من معاناة والده في طلبه العلم في ترجمته إياه، فعنه قال “سمعت أبي يقول بقيت في سنة أربع عشرة ثمانية أشهر بالبصرة، وكان في نفسي أن أقيم سنة، فانقطعت نفقتي، فجعلت أبيع ثيابي حتى نفدت، وبقيت بلا نفقة، ومضيت أطوف مع صديق لي إلى المشيخة، وأسمع إلى المساء، فانصرف رفيقي، ورجعت إلى بيتي، فجعلت أشرب الماء من الجوع” وقد وثقه أهل الجرح والتعديل، فقال عبدالرحمن بن أبي حاتم “سمعت موسى بن إسحاق القاضي يقول ما رأيت أحفظ من والدك” وقال الذهبي “وكان بارع الحفظ، واسع الرحلة، من أوعية العلم” وقال عنه أبو نعيم “إمام في الحفظ والفهم” وقال عنه اللالكائي “كان إماما عالما بالحديث، حافظا متقنا ثبتا” وقال ابن كثير في البداية والنهاية “أحد الأئمة الحفاظ الأثبات.

العارفين بعلل الحديث والجرح والتعديل” وقال الخطيب الرازي “كان لعبدالرحمن ثلاث رحلات الأولى مع أبيه سنة خمس وسنة ست، ثم حج وسمِع محمد بن حماد في سنة ثنتين، ثم رحل بنفسه إلى السواحل والشام ومصر سنة اثنتين وستين ومائتين، ثم رحل إلى أصبهان في سنة أربع وستين، فلقي يونس بن حبيب” وأتاحت له هذه البيئة العلمية التي وفرها له أبوه تصنيف العديد من المؤلفات في علوم الحديث، تدل على تبحره في هذا الشأن، لعل من أهمها كتابَه العلل حيث أكثَر فيه من سؤال الإمامين الجليلين أبي زرعة وأبي حاتم عن الرواة والأحاديث المعللة أو المشتبه في إعلالها، حتى قارب عدد مسائله ثلاثة آلاف مسألة، وهو بالنسبة للكتب المتقدمة عليه من أوسع وأشمل ما وصلنا من كتب العلل، وقد كان ابن أبي حاتم الرازي آية في الزهد والورع، حيث قال أحمد بن علي الفرضي.

“ما رأيت أحدا ممن عرف عبدالرحمن ذكر عنه جهالة قط ” وقال ابن كثير “كان من العبادة والزهد والورع والحفظ على جانب كبير” وقال عباس بن أحمد “بلغني أن أبا حاتم قال ومَن يقوى على عبادة عبدالرحمن، لا أعرف لعبدالرحمن ذنبا” وقد رحل الإمام إبن أبي أبو حاتم في طلب العلم مع أبيه أبو حاتم وبعده، و كان واسع الإطلاع والحفظ وصنف في الفقه والعقيدة و الحديث وسمع من أبيه ومن أبي زرعة ومن أحمد بن سنان القطان وغيرهم، وقد ارتحل به أبوه فأدرك الأسانيد العالية، وسمع أبا سعيد الأشج وعلي بن المنذر الطريقي والحسن بن عرفة وأحمد بن سنان القطان ويونس بن عبد الأعلى ومحمد بن إسماعيل الأحمسي وحجاج بن الشاعر ومحمد بن حسان الأزرق ومحمد بن عبد الملك بن زنجويه وابن وارة وأبا زرعة وخلائق بالأقاليم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى