مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن عساكر” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن عساكر” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الإمام إبن عساكر هو أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي الإمام والعلامة الحافظ الكبير محدث الشام، وفي بيت كريم الأصل معروف بالفضل، متصل بالعلم ولد علي بن الحسن بن هبة الله، الشهير بإبن عساكر في غرة شهر المحرم من سنة ربعمائة وتسعة وتسعون للهجرة، الموافق الثالث عشر من شهر سبتمبر لعام ألف ومائة وحمس من الميلاد، وكان أبوه تقيا ورعا، محبا للعلم ومجالسة العلماء ومصاحبتهم، وكانت أمه من بيت علم وفضل، فأبوها أبو الفضل يحيى بن علي كان قاضيا وكذلك كان أخوها أبو المعالي محمد بن يحيى قاضيا، وقد رزق الوالدان الكريمان قبل ابنهما علي بولد كان له شأن هو أبو الحسين الصائن هبة الله بن الحسن كان من حفاظ الحديث، وقد رحل في طلبه إلى بغداد، وعُني بعلوم القرآن واللغة والنحو، وجلس للتدريس والإفتاء.

وفي مثل هذا الجو المعبّق بنسمات العلم نشأ ابن عساكر ودرج، حيث نشأ في دمشق ببيت علم، وكانت أسرته الصغيرة هي أول من تولى تعليمه وتهذيبه، فسمع الحديث من أبيه وأخيه وهو في السادسة من عمره، ثم تتلمذ على عدد ضخم من شيوخ دمشق وعلمائها، ثم تتلمذ على عدد ضخم من شيوخ دمشق وعلمائها، وكانت آنذاك من حواضر العلم الكبرى في العالم الإسلامي، وتلقى على أيديهم عددا كبيرا من أمهات الكتب في الحديث والتاريخ، حيث قرأ على أبي الفرج غيث بن علي الصوري تاريخ صور وجزءا من كتاب تلخيص المتشابه للخطيب البغدادي وقرأ على عبد الكريم بن حمزة السليم كتاب الإكمال لابن ماكولا ومشتبه النسبة لعبد الغني بن سعيد، وقرأ على شيخه أبي القاسم النبيه كتاب المجالسة وجواهر العلم لأحمد بن مروان الدينوري وتلخيص المتشابه للخطيب البغدادي.

وقرأ على أبي محمد بن الأكفاني كتاب المغازي لموسى بن عقبة وكتاب المغازي لمحمد بن عائذ الدمشقي، وأخبار الخلفاء لابن أبي الدنيا، وغيرها، وقد بدأ ابن عساكر رحلاته سنة خمسمائة وعشرون للهجرة إلى بغداد، ثم اتجه منها إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج وزار مسجد النبي صلي الله عليه وسلم بالمدينة المنورة، ولم تطل إقامته في مكة والمدينة، وفي رحلاته التي استغرقت خمس سنوات قابل في أثنائها عددا كبيرا من أئمة العلم، وقرأ عليهم عشرات الكتب العظيمة ذات المجلدات الضخمة، فاتصل بأبي غالب بن البنا وقرأ عليه كتاب نسب قريش للزبير بن بكار، وكتاب التاريخ لابن أبي خيثمة، وبعضا من كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد، وقرأ على أبي القاسم بن الحصين مسند أحمد والغيلانيات، ودرس على أبي بكر محمد بن عبد الباقي الطبقات الكبرى لابن سعد.

والمغازي للواقدي، ولزم أبا القاسم بن السمرقندي وسمع منه كتبا كثيرة، منها سيرة ابن إسحاق، وكتاب الفتوح لسيف بن عمر، وتاريخ الخلفاء ابن ماجه، ومعجم الصحابة لأبي القاسم البغوي، والمعرفة والتاريخ للفسوي، والكامل في الضعفاء لابن عدي، وعاد الحافظ ابن عساكر إلى دمشق سنة خمسمائة وخمس وعشرون للهجرة، واستقر بها فترة عاود بعدها رحلته مرة أخرى سنة خمسمائة وتسع وعشرون للهجرة،إلى إيران وخراسان وأصبهان وهمدان وأبيورد وبيهق والري ونيسابور وسرخس وطوس ومرو، وسمع في أثنائها عددا كبيرا من الكتب على كبار الحفاظ والمحدثين في بلاد المشرق، مثل سعيد بن أبي الرجاء محمد أبو الفرج الصيرفي، وزاهر بن طاهر الشحامي، ثم عاد ابن عساكر إلى دمشق سنة خمسمائة وثلاث وثلاثون للهجرة، وقد طبقت شهرته الآفاق.

وقصده طلاب العلم من كل مكان، وانصرف إلى التأليف والتصنيف، وشغل ابن عساكر نفسه بالعلم مذاكرة وتحصيلا، وجعله هدفا لا يصرفه عنه شيء، ولم يجعله وسيلة لتولي منصب أو طمعا في مال أو جاه، فأعطاه نفسه ولم يبخل عليه بجهد، فكافأه الله سعة في التأليف، وصيتا لا يزال صداه يتردد حتى الآن، ومكانة في العلم تبوأها في المقدمة بين رجالات العلم في تاريخ الإسلام، وخلال التدريس وضع ابن عساكر مؤلفات كثيرة، لكن مؤلفا منها قد ملك عليه فؤاده، وانصرفت إليه همته الماضية منذ أن اتجه إلى طلب العلم، فبدأ يضع مخططا لكتابه الكبير “تاريخ دمشق” الذي صار نموذجا للتأليف في تاريخ المدن، يحتذيه المؤلفون في المنهج والتنظيم، واستغرق التفكير والتأليف في تاريخ دمشق وقتا طويلا من حياة مؤلفه، وصاحبه منذ فترة مبكرة من حياته، فكرة في الذهن، ثم مخططا على الورق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى