مقال

الدكروري يكتب عن الشائعات المغرضة ” جزء 1″ 

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الشائعات المغرضة ” جزء 1″

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

 

إن انتشار الشائعة بين أفراد المجتمع له دوافع كثيرة، وهذه الدوافع قد تكون دوافع نفسية وسياسية واجتماعية واقتصادية، وتتعرض الشائعة في أثناء التداول إلى التحريف والتبديل والتغيير والزيادة والنقص، وإن أهم أسباب انتشار الشائعة هو إتباع هوى النفس الأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، فصاحب الهوى يعمل على نشر ما يوافق هوى نفسه، ولو كان على حساب إلحاق الضرر بغيره، فهو لا يهمه إلا مصلحة نفسه فقط، وإشباع غريزته السيئة، ولا يهمه ما يحصل بعد ذلك من خطر على البشر وكذلك الرغبة في حب الظهور، وإن حب الظهور مرض نفسي، وهو من الحيل العقلية التي يلجأ إليها ضعاف النفوس من أجل إبراز أنفسهم على حساب الآخرين، يعني يعمل الواحد منهم على إبراز نفسه بنشر هذه الشائعات وإن كان فيها ضرر على غيره نتيجة لما يعانيه من الفشل في حياته العامة.

 

معتقدا أن ذلك يعوض ما يشعر به من نقص، ولا شك أن هذا اعتقاد غير صحيح، ومسلك باطل، فرحم الله امرء عرف قدر نفسه، وإن الإسلام يعتبر المتكلم بكل ما يسمع بلا تثبت ولا تبين كاذبا، فها هو نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم يقول “كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع” رواه مسلم، والجريمة أشنع إن ردد الإشاعة وهو يغلب على ظنه أنها كاذبة، فقد قال النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “من حدث حديثا، وهو يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين” رواه مسلم، وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم ” إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالا من رضوان الله يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوى بها في جهنم ” رواه البخاري ومسلم، فالكلمة في حس المسلم ليست عبثا فارغا، ولا لغوا آثما حيث جعل الله تعالي مراعاة الكلمة والحفاظ عليها.

 

من أخص خصائص المجتمع الإيماني الذين يرثون الفردوس في الجنة، ومنذ أن خلق الله الخليقة وجد الصراع بين الحق والباطل والخير والشر، وهو صراع يستهدف أعماق الإنسانية، ويؤثر في كيان البشرية، وإذا كانت الحروب والأزمات والكوارث والنكبات تستهدف بأسلحتها الفتاكة الإنسان من حيث جسده وبناؤه، فإن هناك حربا سافرة مستترة تتوالد وتتكاثر زمن التقلبات والمتغيرات، وهي أشد ضراوة وأقوى فتكا، لأنها تستهدف الإنسان من حيث دينه وقيمه ونمائه، أتدرون ما هي هذه الحرب القذرة؟ إنها حرب الشائعات، ولكن نقول هل سلم أحد من افتراءات الناس وشائعاتهم؟ أقول بل لم يسلم من الشائعات والافتراءات حتى الصالحون المقربون، وحتى الرسل والأنبياء، بل لم يسلم رب العزة سبحانه وتعالى، نفسه من الشائعات والافتراءات، وليس نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

 

وحده هو الذي أشاعوا عنه الإشاعات، بل ما من نبي أرسل إلى قوم إلا حاربوه بالشائعات والإشاعات والافتراءات وكما نالت ألسنة الناس وشائعاتهم من الأنبياء والرسل ومن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فكذلك ما سلم منها الصحابة الأبرار الأطهار والتابعون لهم بإحسان، ومن بعد الصحابة والتابعين جاء الفقهاء المتبوعون ومنهم الأئمة الأربعة وما سلم منهم أحد من شائعات الناس وهمزهم وافتراءاتهم، ولو تتبعنا ما قيل في أئمة العلم والعمل الكبار كالبخاري والنووي وابن تيمية وابن القيم وغيرهم لرأينا وسمعنا عجبا من سيل افتراءات وإشاعات تسقطهم وتضيع علمهم، ولو صدقنا كل ظن وكل شائعة وكل إشاعة لأسقطنا الجميع والسبب بسيط أنه لم يسلم أحد من شائعات الناس أبدا، وهل سلم من شائعاتهم الخالق حتى يسلم المخلوق، وأن هذه الأسباب لحروب الشائعات.

 

يجمعها سبب واحد، وهو ضعف الوازع الديني، فإن الإيمان متى وقر في قلب العبد فإنه لا يرضى بأذية لأخيه المسلم، فالإيمان يربي صاحبه على الأخلاق الفاضلة، أما إذا خف ميزان الإيمان في قلب العبد، فعندئذ يصبح العبد عرضة لكل ما من شأنه الإساءة والإفساد، ومن ذلك الإفساد والإساءة تلقف الشائعات ونشرها، فلا شك أن ضعف الوازع الديني هو رأس الأمر كله في نشر هذه الشائعات الكاذبة، والكلمة إذن ليست شيئا يمكن أن يلفظ فيهمل، أو يودع في عالم النسيان، كلا، بل هي ذات شأن جليل، سلب، أو إيجاب، ولها تبعة دنيوية وأخروية، فإنها مسجلة ومكتوبة لن تضيع أبدا، فالكلمة أمانة ضخمة في دين الله تعالي وأننا مسئولون بين يدي الله عن هذه الأمانة العظيمة ويختلف حكم الشائعة تبعا لاعتبارات كثيرة، فمن الشائعات ما هو كفر والعياذ بالله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى