مقال

الدكروري يكتب عن اليقين التام بالله

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن اليقين التام بالله
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

إن الإيمان بالله سبحانه وتعالي هو اليقين التام بأن الأمر كله بيد الله عز وجل، وأن المؤمن هو من يستشعر وجود الله سبحانه وتعالى معه في حياته كلها بحركاته وسكناته، في فرحه وحزنه، وشدّته ورخائه، فيوقن حق اليقين أن الله تعالي هو مدبر الأمور ومسيّرها، وكل شيء في الكون يسير بحكمة الله تعالي وأوامره بدقة تامة، ولهدف معيّن قد يعرفه الإنسان وقد يجهله ويبقى السبب الحقيقي في علم الغيب عند الله، أما إن كان سبب الحدوث مجهولا فإن المؤمن الحق يبقى على يقين بأن الله لا يدبّر لعباده إلا ما كان فيه خير لهم، فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم “عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له” وشعور اليقين بالله هو شعور الراحة المطلقة للمرء.

فهو يَطمئن لما تمرّ به حياته ولما يحدث معه، لا يقلق من غده ولا مستقبله، فيشعر بأن الله بجانبه يرعاه برعايته ويدبّر له الأمر وييسّر له الرزق، ويدفع عنه المكروه، فإن أصابه فرح أو خير حمد الله على ما أعطاه وشكره لكرمه ونعمه، وإن أصابه مكروه حمد الله وصبر على ما ابتلاه يقينا منه أن أجر ذلك الصبر سيخبئه الله سبحانه وتعالى له إلى يوم القيامة، لأن البلاء من الله اختبار للصبر، ودفع للذنوب، ورفع للدرجات، وقد قال الله سبحانه وتعالى في وصف أهل اليقين والتقوى والإيمان ” الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون، أولئك علي هدي من ربهم وأولئك هم المفلحون” ومعنى اليقين وهو الثبات والوضوح واليقين خلاف الشك، ويقال للموت يقين لأنه لا شك فيه ولا مراء.

فقال تعالى ” وأعبد ربك حتي يأتيك اليقين” وقد فسر العلماء اليقين الوارد في الآية بأنه الموت، ومن العلم بالشيء علما لا شك فيه ومنه أيقن الشيء وتيقن به أي علمه، علما لا شك فيه، والوصف لهذا المعنى موقن، حيث قال تعالى ” الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوي علي العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي، يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون” فقد وصف الله سبحانه وتعالى لقاءه بأنه أصبح علما يقينيا عند عباد الله المخلصين، وكما أن لليقين في اللغة عدة معاني فإن له في الاصطلاح كذلك العديد من المدلولات والمعاني التي بيّنها علماء الشريعة الإسلامية، وكان من بين تلك التعريفات العديدة بأن اليقين هو الطمأنينة في القلب واستقرار العلم فيه، وبذلك فإن اليقين له قسمان رئيسيان هما العلم التام الذي لا ينافيه شك.

والعمل بذلك الشيء وذلك العلم اليقيني الذي يدفع إلى عدم معصية الله علما تاما بأنه هو وحده الخالق المدبّر وأنه وحده له الأمر والحكم، ولا تجب الطاعة المُطلقة إلا له، وكذلك فإن اليقين وهو التصديق الجازم الذي تستقر معه النفس وتطمئن وهو العلم بأن حكم الله هو خير الأحكام وأفضلها وأكملها وأصدقها، وأتمها وأعدلها، وأن الواجب على كل مكلف الانقياد له، مع الرضا والتسليم التام بكل الحوادث التي تمر بالمسلم، وذلك تصديقا لقول الله سبحانه وتعالى ” ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون” وينقسم اليقين إلى ثلاثة مراتب أساسية هي علم اليقين، وحق اليقين، وعين اليقين، وقد فسر العلماء تلك المراتب بتفسيرات متغايرة بناء على اختلافهم في أصل اليقين، فقال بعضهم بأن علم اليقين ما يحصل عن مجرد الفكر والنظر فقط، أما عين اليقين فهو ما يحصل.

من مشاهدة العين عيانا وإبصار الشيء، وأما حق اليقين فهو اجتماع الإبصار والمشاهدة مع التفكر والتدبر بعظمة ذلك الشيئ، فإذا أخبره الصادق بالمعجزات صار ذلك حق اليقين وعلم اليقين هو ما حصل عن نظر واستدلال وتدبر وتفكر، أما عين اليقين فهو ما حصل عن مشاهدة ومعاينة للشيء المعلوم به، وحق اليقين هو ما حصل عند المعاينة مع المباشرة لذلك الأمر فعلم اليقين، ومثاله كمن علم تعويدا أن البحر فيه ماء فذلك الأمر يقيني لا يشك به عاقل، ويكون ذلك من خلال الاطلاع والتعوّد الناتج من السماع، أما عين اليقين فمثاله من مشى ووقف على ساحل البحر وعاينه وشاهده دون أن يطلع على تفاصيله، وحق اليقين مثاله من نزل إليه واغتسل فيه وشرب منه ولاحظ بعقله ومعاينته ملوحته، فالشخص الذي يعلم بأن الله واحد وموجود فذلك عنده يقين عام.

وهو علم اليقين، أي عنده خبر وعلم من البعيد دون اطلاع أو معاينة، وأما من يصل بالكشف الروحي والخفي وتتجلى عليه الصفات، فهذا عنده عين اليقين وهو صاحب مكاشفة ومشاهدة، ولكنه ما زال على ساحل البحر، وأما الشخص الذي وصل إلى التجلي الذاتي والمشاهدة الذاتية، فقد وصل إلى حق اليقين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى