مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن سعد ” جزء 2″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن سعد ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام إبن سعد، ودخوله المدينة المنورة كان قبل سنة مائتين للهجرة، مع احتمال تردّده عليها، وهذا يدل على تبكير ابن سعد في الرحلة لطلب العلم، مقتديا في ذلك بسلفه من الأئمة الحفاظ، ورحل إلى مكة أيضا، وبها سمع من سفيان بن عيينة، ولم يكثر عنه، ومؤمل بن إسماعيل وغيرهما من الأئمة الحفاظ من أهل مكة المكرمة، أو ممّن قدمها لأداء المناسك، حيث كانوا يعقدون فيها مجالس الحديث، ويظهر أنه تكرر قدومه إلى مكة، فسمع ممن ماتوا بعد سفيان ابن عيينة، كسعيد بن منصور وعبد الله بن مسلمة القعنبي وغيرهما وقد صرح ابن سعد في الطبقات أنه كان بمكة المكرمة، وسأل أحد العارفين بأخبارها وهو أبو بكر بن محمد بن أبي مرة المكي عن منزل عمر بن الخطاب الذي كان في الجاهلية، فذكره له، وأما الكوفة فقد صرح بأنه كان فيها.

مع شيخه عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي وكان يمشي معه في حاجة له فدله على دار الحكم بن عتيبة، ويشكل علماء الكوفة قسما كبيرا من ثقافته، ومن أقدم شيوخه الكوفيين الذين أخذ عنهم ولم يذكروا له قدوما إلى بغداد حميد بن عبد الرحمن الرُؤاسي وسمع بالكوفة ممن كان فيها من كبار المحدثين بالإضافة إلى عبد الله ابن إدريس مثل عبيد الله بن موسى العبسي وعبد الله بن نمير وغيرهما، على أن هناك طائفة من مشايخه الكوفيين ممن قدموا بغداد وحدثوا بها، أو نزلوها، لا يمكن لنا الجزم بأن ابن سعد سمع منهم بالكوفة أو ببغداد من أمثال أبي معاوية الضرير محمد بن خازم ووكيع بن الجرّاح، وأبي نعيم الفضل بن دُكين ومحمد بن فضيل بن غزوان وغيرهم، وقد عدّه الحافظ ابن عساكر في تاريخه الحافل ممن دخل دمشق وسمع بها من سليمان بن عبد الرحمن.

وإسماعيل بن عبد الله السكري، وزيد بن يحيى بن عبيد، وعمر بن سعيد الدمشقي، والوليد بن مسلم، ولا يوجد أحدا سبقه إلى ذلك، فلعل سماع ابن سعد لبعض من كان ببلاد الشام ممن تقدمت أسماؤهم، وغيرهم، إنما كان ببغداد، لكثرة من يرد عليها من العلماء والمحدثين في ذلك العصر، أو في مواسم الحج، إذ يجتمع فيه المسلمون من كل مكان، وفيهم العلماء من محدثين وفقهاء ومفسرين وغيرهم، وبعد هذا العرض الموجز لرحلات ابن سعد، فإن الأمر يحتاج إلى مزيد بحث وتتبع، ليعرف الباحث تاريخ دخوله لهذه المدن ومدى إقامته فيها، وذلك بمعرفة وفيات شيوخه في البلدان التي زارها، مع النظر في إكثاره وإقلاله عنهم، وعلى كل فإن الأمصار التي دخلها ابن سعد، وتلقف العلم من أهلها كانت تشكل في عصره أقوى مراكز النشاط العلمي، وأزهى العصور الإسلامية.

لما ظهر فيها من فطاحل العلماء في مختلف التخصصات العلمية المتنوعة مثل علم الحديث، والتراجم، والجرح والتعديل، والعلل، والسير والمغازي، وغيرها من العلوم الأخرى كالفقه والتفسير واللغة، ونحوها، وقد أفاد ابن سعد من هذه العلوم، وكتابة “الطبقات الكبرى ” خير شاهد على ذلك، وسمع ابن سعد من شيوخ كثر، وروى عن طوائف من المحدثين يطول ذكرهم، وقد بلغ عدد من صُرّح باسمه في مصادر ترجمته واحدا وثلاثين شيخا، وعند بعضهم ما ليس عند الآخر، وقيل أن من شيوخه تسعة، وقيل من شيوخ ابن سعد في القسم المتمم لتابعي أهل المدينة المنورة، تسعة وأربعين شيخا، منهم خمسة عشر راويا مصرّحا بأسمائهم في مصادر ترجمة ابن سعد، وثلاثة غير موجودين، وقيل أن من شيوخه في الطبقة الخامسة من الصحابة، تسعة وتسعين شيخا.

وقيل من شيوخه في الطبقة الرابعة من الصحابة، ممن أسلم عند فتح مكة، وما بعد ذلك، فبلغوا عنده أربعة وسبعين شيخا، وأما شيوخ ابن سعد الواردون في قسم مضامين أخبار النبي صلي الله عليه وسلم فبلغ عددهم تسعة وخمسين ومائة شيخ، وقد اعتمد معظم من أحصى شيوخ ابن سعد عليه، وبنوا عليه استدراكاتهم مكانته العلمية مما لا شك فيه أن ابن سعد قد حاز مكانة عليّة، وحظى بالقبول والرضا لدى أهل العلم، متقدّمين ومتأخرين، ووصفه غير واحد منهم بأنه من أهل العلم والفضل، وأحد المصنفين المجيدين، وأحد الحفاظ الكبار وكتابه الطبقات الكبرى خير شاهد على ذلك، وقد تكلم فيه يحيى بن معين، وهو من شيوخه المباشرين له وكلامه لا يستهان به في الجرح والتعديل ومعرفة الرّجال، فقد روى الخطيب البغدادي بسنده عن الحسين بن الفهم قال ” كنت عند مصعب الزبيري فمر بنا يحيى بن معين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى