مقال

الدكروري يكتب عن إستواء السر والعلانية

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن إستواء السر والعلانية
بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن أقل الصدق هو استواء السر والعلانية والصادق من صدق في اقواله والصدّيق من صدق في جميع اقواله وأفعاله وأحواله، لقد كان في ذلك الصحابي عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه عبرة وعظبة ودرس عظيم في الصدق مع الله عز وجل، وقد عذره الله، فهو رجل كبير السن وأعمى لكن لم يعفية النبي صلي الله عليه وسلم من المسئولية، فعن عبد الله ابن أم مكتوم أنه سأل النبي صلي الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني رجل ضرير البصر شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال صلي الله عليه وسلم ” هل تسمع النداء؟ قال نعم، قال صلي الله عليه وسلم ” لا أجد لك رخصة” كما لم يعذر نفسه، ولم يخلد إلى الراحة والدعة، ولم يتنصل عن مسؤوليته تجاه قضايا الأمة، فلم يري أنه يسعه أن يدع فرصة يخدم فيها الدين تفلت منه.

حتى ولو كان هنالك في مواقع القتال وقعقعة السيوف، وطعن الرماح وإراقة الدماء، فقرر أن يخرج مع كتائب المسلمين لملاقاة الفرس، قالوا له قد عذرك الله، قال أكثر سوادكم، وعندما خرج طلب أن توكل إليه المهمة التي تناسبه وتليق به، فقال إني رجل أعمى لا أفر، فادفعوا إلي الراية أمسك بها، فأمسك بها حتى استشهد رضي الله عنه، وإن من درجات الصدق أن لا يتمنى الحياة إلا للحق، ولا يشهد من نفسه إلا أثر النقصان، ولا يلتفت إلى ترفيه الرخص، فهو لا يحب أن يعيش إلا ليشبع من رضا محبوبه، ويقوم بعبوديته لا لعلة من علل الدنيا وشهواتها، ولا يرى نفسه إلا مقصرا قليل الزاد، ومن درجات الصدق أيضا هو الصدق في معرفة الصدق، فإن العبد إذا صدق الله رضي الله بعمله وحاله ويقينه لأنه قد رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا.

فرضي الله به عبدا، ورضي بأقواله وأعماله القائمة على الإخلاص والمتابعة، وفي الصدق طمأنينة، ومنجاة في الدنيا والآخرة، فتحروا الصدق وإن رأيتم أن فيه الهلكة، فإن فيه النجاة، فعليكم بالصدق في كل مجالات الحياة، واعلموا أن للصدق مآثر رفيعة ومناقب جليلة، وأجورا عظيمة، وأن من ضرورات الحياة الاجتماعية، ومقوماتها الأصلية التي تقوم عليها شيوع التفاهم والتآزر بين عناصر المجتمع وأفراده، ليستطيعوا بذلك النهوض بأعباء الحياة، وتحقيق غاياتها وأهدافها، وذلك لا يتحقق إلا بالتفاهم الصحيح، وتبادل الثقة، وبديهي أن اللسان هو أداة التفاهم، ومنطلق المعاني والأفكار، والترجمان المفسر عما يدور في خلد الناس، فهو يلعب دورا خطيرا في حياة المجتمع، وتجاوب مشاعره وأفكاره, وعلى صدقه أو كذبه ترتكز سعادة المجتمع أو شقاؤه.

فإن كان اللسان صادق اللهجة، أمينا في ترجمة خوالج النفس وأغراضها، أدى رسالة التفاهم والتواثق، وكان رائد خير، وإن كان متصفا بالخداع والتزوير، وخيانة الترجمة والإعراب، غدا رائد شر، ومدعاة تناكر وتباغض بين أفراد المجتمع، من أجل ذلك كان الصدق من ضرورات المجتمع، وحاجاته الملحة، وكانت له آثاره وانعكاساته في حياة المجتمع, فهو نظام عقد المجتمع السعيد، ورمز خلقه الرفيع، ودليل استقامة أفراده ونبلهم، والباعث القوي على طيب السمعة، وحسن الثناء والتقدير، وكسب الثقة والائتمان من الناس، وكما له آثاره ومعطياته في توفير الوقت الثمين، وكسب الراحة الجسمية والنفسية، فإذا صدق المتبايعون في مبايعاتهم، ارتاحوا جميعا من عناء المماكسة، وضياع الوقت الثمين في نشدان الواقع، وإذا تواطأ أرباب الأعمال والوظائف على التزام الصدق.

كان ذلك ضمانا لصيانة حقوق الناس، واستتاب أمنهم ورخائهم، وإذا تحلى كافة الناس بالصدق، أحرزوا منافعه الجمة، ومغانمه الجليلة، وإذا شاع الكذب في المجتمع، وهت قيمه الأخلاقية، وساد التبرم والسخط بين أفراده، وعز فيه التفاهم والتعاون، وغدا عرضة للتبعثر والانهيار، وإن أعظم ما في الصدق أنه يقود صاحبه إلى الجنة، وهذا هو الفوز، فعن أبي أمامة، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسُن خلقه” رواه أبو داود فهذا هو الربح الأوفر لأهل الصدق، وأي ربح أعظم من الجنة، ومن ثمرات الصدق أنه يميز أهل النفاق من أهل الإيمان، وسكان الجنان من أهل النيران، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام “آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب” رواه البخاري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى