مقال

الدكرورى يكتب عن أين المشمرين لرمضان؟ ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكرورى يكتب عن أين المشمرين لرمضان؟ ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

أتي رمضان شهر الكرم والجود وشهر السخاء والعطاء، وإن الجود سبب لحب الناس وقربهم من هذا الجواد الكريم، فمن الذي يحب البخيل الذي لا يعطي، وينفر ولا يبشر؟ فقال أنس بن مالك رضي الله عنه “ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه، جاءه رجل فأعطاه غنما ما بين الجبلين، فرجع الرجل إلى قومه فقال أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، فمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله “من تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه” وهذا من شدة إخلاصه، ويقول عمر بن الخطاب أهدي إلى رجل من أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم رأس شاة، فقال جاري أحوج مني فأهداها إليه، فلا زالوا يتناقلونها من بيت إلى بيت حتى رجعت إلى الأول، فأي قوم هؤلاء؟ وأي جار هذا الذي ينام قرير العين وجاره لا يجد ما يلبس أو لا يجد ما يأكل ويشرب؟

فكانت هذه أخلاقهم وتلك صفاتهم فلا عجب أن يقول الله تعالي ” رضي الله عنهم ورضوا عنه” فأنفق ولا تخش إقلالا فقد قسمت على العباد من الرحمان أرزاق، لا ينفع البخل مع دنيا مضللة ولا يضر مع الإقبال إنفاق، وروي عن الصديقة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها وعن آل أبي بكر أجمعين أنهم ذبحوا شاة فوزعتها وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما بقي من الشاة؟ قالت ذهب كلها، ولم يبقي إلا الكتف، قال “لا يا عائشة بقيت كلها ولم يذهب إلا الكتف” ما أنفقت مدخر لها عند الله لذلك قيل إذا كان عندك تمر فلا تدفنه في الأرض، لكن ادفنه في السماء لأن القلب معلق، فإذا دفن في السماء تذكر قول الله تعالي ” وفي السماء رزقكم وما توعدون” ولقد بحث العلماء في مسألة من فطر صائما فله مثل أجره، يعني مثل أجر صيامه، أو مثل أجره.

يعني لو كان الصائم هذا في ذلك اليوم عمل أشياء أخرى من طاعات وعليها أجر، فهل يدخل في الحديث له مثل أجره فكانوا يتحينون الصلحاء للإفطار، وهذا لا يعني أن غيرهم لا يُسعى فى تفطيرهم، فربما فطرت إنسانا فيه ما فيه من التقصير لكن كان ذلك الإفطار سبيلا إلى استجلاب قلبه لطريق الخير، وقال بعض السلف ” لأن أدعو عشرة من أصحابى فأطعمهم طعاما يشتهونه أحب إليّ من أن أعتق كذا وكذا” وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني مجهود، يعني أصابني جوع وعطش وحاجة لا يعلم بها إلا الله، وأنا ضيف عليك، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض نسائه فقال عندكم طعام؟ قالت والذي بعثك بالحق ما عندنا إلا ماء، فبعث إلى البيت الثاني أعندكم شيء؟ قالت والذي بعثك بالحق ما عندنا إلا ماء، فطافوا على بيوته التسعة وليس فيها غير الماء.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه من يضيف ضيف النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال رجل من الأنصار أنا يا رسول الله فأخذه حتى إذا جاء إلى بيته وهو صاحب عيال وأطفال قال لزوجته ماذا عندك من الطعام؟ قالت والله ما عندنا إلا قوت العيال، قال ألهيهم بأي شيء، فإذا ناموا جلسنا أنا وأنت مع الضيف وكان ذلك قبل نزول آيات الحجاب فإن الضيف كان يجلس مع الرجل وأهل بيته، فقومي فأطفئي السراج، ثم تظاهري بالأكل حتى يشبع الضيف، فجلسوا مع الضيف ثم قامت فأطفأت السراج، ثم تظاهرا بالأكل حتى شبع الضيف ونام الضيف وارتاح، ونام الصغار وأهل البيت على جوعهم، وهذا إيثارا للضيف، وليس عندهم شيء إلا ما قدموه، فلما أصبح الصباح وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له “إن الله قد عجب من صنيعكما مع ضيفكما الليلة”

فهم لم يقدموا إلا الموجود، وآثروا الضيف على أنفسهم وعلى صغارهم وعلى فلذات أكبادهم، وهذا هو منتهى البذل والعطاء، فقال الله فيهم كما جاء في سورة الحشر ” ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون” رواه البخاري ومسلم، وقال أبو السوار العدوى “كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد، ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس، وأكل الناس معه” فيقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا” وإن عادة تفطير الصائمين في بيوت الله ينبغي أن يرافقها أمور مثل الدعوة الاحتسابية لهؤلاء الذين يجمعون من العمال والموظفين وغيرهم، من العازبين والذين لا أهل لهم، فلو سمعوا كلمة طيبة مع هذه الوجبة للإفطار لكان ذلك أمرا طيبا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى