مقال

الدكروري يكتب عن التفكر في مخلوقات الله ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن التفكر في مخلوقات الله ” جزء 3″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع التفكر في مخلوقات الله، وأخلاقه طيبة، وأعماله صالحة، ولا يمكن أن تكون الأعمال الصالحة إلا بعد طيب الغذاء، وبقدر حلّ الغذاء تنمو أعماله وتزكو، كما أن النحلة يعذب عسلها، ويحلو فكذلك عمل المؤمن نابع من كسبه الحلال، والنحلة مطيعة لأميرها في كل شيء بنظام، ودقة عجيبة، ولذلك كان من نتاج هذه الطاعة، هذا الطعام الحلو اللذيذ النافع، والمؤمن في تعاونه مع المؤمنين وبانقياده بالمعروف، والطاعة لأميره، فإنه يثمر حسن النتاج، وهو يدافع عن عرين الإسلام ضد الأعداء كما تدافع النحلة عن عرينها وعن خليتها أشد المدافعة، وكذلك المؤمن يدافع عن عرين الدين، ويلسع كل من أراد أن يقدم على هدم الإسلام بشبهة، أو بقوة، فيدفعه المؤمن بقوة إيمانه، وقوة جسده، ويستعمل أنواع القوى في دفع الأذى عن الدين وأهله، وإن النحلة، وهي تدافع عن خليتها تلسع من يحاول الاقتراب منه، وهي في لسعها تشعر بالألم.

وقد تفقد حياتها في سبيل الحفاظ على عرينها والمؤمن في هذه الحياة، وهو يدافع عن دينه ضد خصوم الشريعة، وأعداء الملة، يشعر بالألم، وقد يفقد حياته في سبيل دينه، فقال تعالي ” لقد خلقنا الإنسان في كبد” والنحل هو الحشرة الوحيدة التي تستطيع تخزين رحيق الأزهار من أجل الغذاء، وهي فضلا عن بنائها لخلاياها، وتصنيعها للشمع والعسل، فهي تقوم بعمل جليل، وهو تلقيح الأزهار، ومن دون تدخل النحل، فإن عددا كبيرا من النباتات لا يثمر، وتزور النحلة ما يزيد عن ألف زهرة ، لكي تحصل على قطرة من الرحيق، تحتاج القطرة الواحدة من الرحيق إلى أن تحط النحلة على ألف زهرة أو أكثر، ومن أجل أن تجمع النحلة مائة غرام من الرحيق، مائة غرام فقط، تحتاج إلى مليون زهرة، وإن ملكة النحل، تعرف أن في بطنها ذكرا، أو أنثى، أو ملكة، حينما تأتي لتضع البيض، تضعه في المكان المناسب, والعاملات منهن.

ما يأتين بالطعام الخاص بالملكة، ويسمي علماء النحل هذه النحلات بالوصيفات وإذا ماتت الملكة تضطرب الخلية، ويلاحظ الإنسان هذا التبدل، وحُمة الملكة لا تلدغ الإنسان، بل تلدغ ملكة أخرى تنافسها على منصبها، لذلك الذكور مهمتها تلقيح الملكات، والإناث عاملات، والملكة مهمتها الولادة، وإن الإسلام هو دين عالمي فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود، ولا على أحمر إلا بالتقوى، هذه العالمية لم يسبقه إليها أي من الأديان، أو حتى النظريات، أو الدعوات، وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع “أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى، ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد منكم الغائب” فالتقوى عند الله هي أساس المفاضلة، وليس اللون ولا الجنس ولا العرق ولا الطبقة الاجتماعية.

فالإسلام دين عالمي، ونبيه أرسل للناس كافة فقال تعالى في سورة سبأ ” وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون” وانطلاقا من هذا المبدأ وهذا التكليف بعالمية الإسلام انطلق المسلمون الأوائل حاملين مشاعل الهدى ليضيئوا الدنيا بسناها، وأيضا من همّهم استنقاذ إخوانهم في البشرية مِن الظلمات، ومنحهم النور المبين سبيلا فذلك الهم استقَوه من قدوتهم ونبيهم صلى الله عليه سلم، الذي كان يحمل هم البشر جميعا، ويريد لهم النجاة، الذي عاد غلاما يهوديا مرة في مرضه الأخير، فدعاه إلى الإسلام، فأسلم ذلك الغلام، فخرج صلى الله عليه وسلم مستبشرا قائلا “الحمد لله الذي أنقذه من النار” فإن العلم هو ذلك النور الذى يضئ لنا الطريق وهو الشعاع الذى يدخل علينا فنبصر من خلاله على أمور الدنيا التى تعيننا على أمور الاخره وهو الطريق الذى يعرفنا الى طريق الله عز وجل والعلم هو طريق الى الجنة ونعيمها في الدنيا والآخرة.

ومع ذلك فإن مجالس العلم مظنات السكينة والرحمة وتنزلات الملائكة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله فى الدنيا والآخرة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه فى الدنيا والآخرة، والله فى عون العبد ما كان العبد في عون أخية، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا حفتهم الملائكة ونزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به علمه لم يسرع به نسبة” رواه ابن ماجه، وعن صفوان بن عسال رضي الله تعالى عنه قال ” آتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو فى المسجد متكئ على برد له أحمر، فقلت له يا رسول الله، إنى جئت أطلب العلم، فقال “مرحبا بطالب العلم، إن طالب العلم تحفه الملائكة وتظله بأجنحتها، ثم يركب بعضهم بعضا حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى