مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الخراشي ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الخراشي ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام الخراشي، وكان لا يمل في درسه من سؤال سائل، لازم القراءة لا سيما بعد شيخه البرهان اللقاني، وأبي الضياء علي الأجهوري، وكان يقسم متن خليل في فقه المالكية إلى نصفين، نصف يقرؤه بعد الظهر عند المنبر كتلاوة القرآن، ويقرأ نصفه الثاني في اليوم التالي، وكان له في منزله خلوة يتعبد فيها، وكانت الهدايا والنذور تأتيه من أقصى بلاد المغرب، وغيرها من سائر البلاد، فلا يمس منها شيءا، بل كان يعطيها لمعارفه والمقربين منه يتصرفون فيها، وقد ذاع صيت الخرشي وسمت مكانته بين العامة والخاصة على حد سواء، فكان الحكام يقبلون شفاعته، وكان الطلبة يقبلون على دروسه، وكان العامة يفدون إليه لينالوا من كرمه وعلمه، وقال عنه الجبرتي هو الإمام العلامة والحبر الفهامة، شيخ الإسلام والمسلمين ووارث علوم سيد المرسلين.

وقد ذاعت شهرته أيضا في البلاد الإسلامية حتى بلغت بلاد المغرب وأواسط أفريقيا حتى نيجيريا، وبلاد الشام والجزيرة العربية واليمن، وقد مكن الشيخ من بلوغ هذه الشهرة انتشار طلابه وكثرتهم في أقطار عديدة، واشتهاره بالعلم والتقوى، وقال عنه المرادي في سلك الدرر الإمام الفقيه ذو العلوم الوهبية والأخلاق المرضية، المتفق على فضله، وولايته، وحسن سيرته، واشتهر في أقطار الأرض كبلاد المغرب، والشام، والحجاز، والروم، واليمن، وكان يعير من كتبه، ومن خزانة الوقف بيده لكل طالب، إيثارا لوجه الله، وكان قبل مئات السنين استخدم المصريون كلمة ياخراشى وظلوا يتداولوها الي يومنا فعندما تصيب الناس مصيبة او يواجهون مشكلة اومظلمة من هنا اوهناك يقولون ياخراشى، ويرجع اصل الكلمة الى اول شيخ تولى مشيخة الازهر الشريف الشيخ محمد بن عبدالله الخراشى.

وتمكن الشيخ الخراشي من تاليف مائتي كتاب اشهرهم الشرح الكبير علي متن خليل في فقه المالكية على ثماني مجلدات وافاد بعلمه عدد كبير من العلماء وطلبة العلم الذين كانوا يعتزون بالانتماء اليه والنهل من علمه الغزير ومعرفته الواسعة، ومن خلال سعي الامام لخدمة الناس وقضاء حوائجهم كان يقف في وجه الطغاة من الحكام والتجار يقول الحق ولا يخاف في الله لومة لائم فينظر العامة اليه باعتباره عونا للمظلومين فاذا ما ظلم احد يستغيث بالشيخ الخراشي فكان ضاغطا علي الحكام وفي نفس الوقت محمودا عندهم، وكان رحمة الله عليه قدوة للمالكين وكهف للعابدين وشيخ المالكية في وقته كان متواضعا عفيفا واسغ الخلق يسخر نفسه لخدمة الناس وقضاء حوائجهم لتظل سيرته العطرة علي مدي الف عام وحتي الآن، وكان الأزهر الشريف منذ إنشائه عام تسعمائة وسبعين ميلادي.

كان الأزهر الشريف يدار من قبل السلاطين والولاة، وكان أمر الجامع يدور ما بين الاهتمام تارة والإهمال تارة أخرى، إلى أن جاء السلطان سيلمان القانوني عام ألف وستمائة وتسع وسبعين ميلاديا، وأمر بجمع علماء الأزهر الشريف، مطالبا إياهم بترشيح عالم منهم لإدارة شؤون الأزهر، فكان الاختيار على الشيخ أبو عبد الله محمد بن جمال الدين عبد الله بن علي الخرشي المالكي، وهو إمام المسلمين، والإمام الأكبر والأول للجامع الأزهر، شيخ عموم المالكية في عصره، العالم الزاهد، الذي ولد بقرية أبو خراش، التابعة لمركز شبراخيت، بمحافظة البحيرة، وإليها يرجع اسمه، وتولي مشيخة الأزهر عن عمر يناهز الثامنين عاما، وظل يترأس إدارة الجامع ما يقارب إحدي عشر عاما حتي توفاه الله، ويعد الخراشي شيخ عموم المالكية في عصره.

فقال عنه الشيخ علي الصعيدي العدوي المالكي في حاشيته التي جعلها على شرحه الصغير لمتن خليل هو العلامة الإمام والقدوة الهمام، شيخ المالكية شرقا وغربا، قدوة السالكين عجما وعربا، مربي المريدين، كهف السالكين، سيدي أبو عبد الله بن علي الخرشي، ولم يحظ الشيخ بشهرة كبيرة، إلا أن له مؤلفات عدة وصلت إلي عشرين مؤلفا، وقد ردد البعض مقولات حول وجود إحدي عشر إماما للأزهر قبل الشيخ الخراشي، إلا أن كتب التاريخ أجمعت على اعتبار الإمام الخراشي هو شيخ الأزهر الأول، ويتذكر المصريون جميعا الشيخ الخراشي بمقولتهم الشهيرة “يا خراشي” حيث تعود تلك المقولة لتجمع الناس واستغاثتهم بالإمام ضد الولاة، كما كان منزلة محكمة شرعية للناس، وحينما توفي لم يجد الناس منزل أخرى يلجأون إليه فظلوا يرددون مقولة “يا خراشي”

وكان الأزهر الشريف ولا يزال منارة العلم في مشارق الأرض ومغاربها، يأتيه طلبة العلم من كل فج عميق، لينهلوا من علوم مشايخه وأخلاقهم ما يجعلهم سفراء للإسلام علماء بعلومه وفنونه المختلفة، ولم يكن للأزهر الشريف شيخا محددا يتولى مسؤوليته، بل كان السلاطين والأمراء على مر العصور هم من يتولون إدارة شؤون الأزهر الشريف والإشراف عليه، لكن مع ازدياد طلبة العلم الأزهريين رأى السلطان العثماني سليمان القانوني فرمانا يقضي بأن يتم تنصيب شيخا للأزهر يتم اختياره من قبل العلماء، لتكون مهمته الإشراف على شئون الأزهر الدينية والإدارية، وبالفعل وقع الاختيار حينها على الشيخ الإمام محمد بن عبد الله الخراشي المالكي، ليصبح بذلك أول شيخ للأزهر الشريف، وكان ذلك فى أواخر القرن الحادي عشر الهجري، السابع عشر الميلادى.

وتحديدا عام ألف وستمائة وتسع وسبعين ميلادي، وأما عن ولايته لمشيخة الأزهر، فإنه تكاد الروايات تجمع على أن الشيخ الخراشي أول من تولى منصب شيخ الأزهر، فقد ولي مشيخة الأزهر سنة ألف وتسعين من الهجرة، الموافق ألف وستمائة وتسع وسبعين ميلادي، وكان عمره وقتذاك حوالي ثمانين عاما، واستمر في المشيخة حتى توفاه الله، وقد وافاه أجله المحتوم صبيحة يوم الأحد السابع والعشرين من شهر ذي الحجة سنة ألف ومائة وواحد هجرية، الموافق ألف وستمائة وتسعين ميلادي، عن عمر يناهز التسعين عاما، ودفن مع والده بوسط قرافة المجاورين، تاركا للأزهر ما يقرب من عشرين مؤلفا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى