مقال

الدكروري يكتب عن الإمام النابلسي ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام النابلسي ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام النابلسي، وكان الإمام النابلسي قصته عظيمة في زمن حكم الطغاة العبيدين الباطنية لمصر فقد حكموا بالقهر والسيف والظلم وغيروا بالإكراه عقيدة المسلمين اهل السنة فهرب منهم العلماء والصالحون وقبضوا على الكثير فاكرهوهم على قول الباطل ولكن عالمنا الرباني كان له موقف اخر سجلته الملائكة وسجله التاريخ فقد كان من سكان الرملة بفلسطين ولما ظهرت الدولة الفاطمية ببدعتهم الشيعية الكفرية ولعن امهات المؤمنين والصحابة علانية في كل صلاة وعلى المنابر وابطلوا صلاة التراويح والضحى وفرضوا بدعتهم المنكرة دعي أبوبكر النابلسي لجهادهم وذهب لدمشق واعلن وجوب الجهاد وقال فتواه المشهورة في فرضية جهادهم فقبض عليه حاكم دمشق وارسله في قفص خشب مسلسل مقيد الى مصر وهنا نتوقف الرجل امامه فرصة طوال طريق.

 

استمر مسيرة شهر ان يكتم ايمانه وان يقدم مراجعات فكرية لفتواه بالجهاد ثم يعلن انه كان مكرها الفاطميون كفرة يقتلون الناس بالشبهة ولا يرحمون اهل السنة ولكن كيف للعالم الرباني الذي يعلم الناس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر” والسلطان هنا مفسدته متعدية لعقيدة المسلمين فلم يتردد رغم طول الحبس والمشقة في السفر حتى وصل الى قصر الحاكم العبيدي، وإن علماء الأمة هم صمام الأمان، وخصوصا الناطقين بالحق في الظروف الصعبة، فقال صلى الله عليه وسلم “يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين” وقد امتدت الدولة العبيدية نحو مائتين وسبعين سنة، ثم انهارت، وبقيت الأمة وبقي دينها مصداقا لقوله تعالى “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله”

 

وقوله صلى الله عليه وسلم “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك” وكان لعلمائنا الأوائل موقف واضح من الحكام المبدلين للدين ودولهم، سواء في جانبه العقدي أو التشريعي، ولم تنطل عليهم اللافتة الإسلامية التي كانت ترفعها الدولة العبيدية وحكامها فقد اعتبروا الدولة العبيدية خارجة عن الإسلام ومستحقة للجهاد، وقال شيخ الإسلام ولأجل ما كانوا عليه من الزندقة والبدعة بقيت البلاد المصرية مدة دولتهم نحو مائتي سنة قد انطفأ نور الإسلام والإيمان حتى قالت فيها العلماء إنها كانت دار ردة ونفاق کدار مسيلمة الكذاب، ومستندهم في ذلك الكتاب والسنة وإجماع الصحابة على قتال المرتدين زمن الصديق رضي الله عنهم، سواء الذين اتبعوا الكذابين أو الذين منعوا الزكاة وأرادوا تبديل الدين.

 

وقال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام والمصدق لهذا جهاد أبي بكر الصديق رحمة الله عليه بالمهاجرين والأنصار على منع العرب الزكاة، كجهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الشرك سواء، لا فرق بينها في سفك الدماء، وسبي الذرية، واغتنام المال، فإنما كانوا مانعين لها غير جاحدين بها، وإن المنافقين المنتسبين للإسلام هم أخطر على الإسلام من اليهود والنصارى، وخصوصا إذا كانوا متنفذين لأنهم باسم الإسلام يهدمون الدين، وهذا ما لا تقدر على مباشرته اليهود والنصارى، والتاريخ القديم والحديث شاهد على ذلك، وقد قال تعالى عن المنافقين “هُم العدو فاحذرهم” وإن من عظمة الإمام القدوة ابن النابلسي، حيث صدع بالحق في وجه الدولة العبيدية وهو يعلم بطشهم، فسلخوه وهو حي حتى استشهد صابرا على هذا البلاء العظيم، وقد سئل صلى الله عليه وسلم أي الجهاد أفضل؟

 

قال “كلمة حق عند سلطان جائر” وكانت قصة وفاته وهي أنه بعد أن استولى الفاطميون على الشام هرب العلماء من منطقة فلسطين وبيت المقدس حيث كان الفاطميون يجبرون علماء المسلمين على لعن أعيان صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم على المنابر، ولما ظهر المعز لدين الله بالشام واستولى عليها أبطل التراويح وصلاة الضحى، وأمر بالقنوت في الظهر بالمساجد، وكان الإمام النابلسي ممن هرب من العلماء من وجه الفاطميين الذي هرب من الرملة إلى دمشق، وكان من أهل السنة والجماعة وكان يرى قتال الفاطميين، وقال النابلسي لو كان في يدي عشرة أسهم كنت أرمي واحدا إلى الروم وإلى هذا الطاغي تسعة، وبعد أن استطاع حاكم دمشق التغلب على القرامطة أعداء الفاطميين،

 

قام بالقبض على الإمام النابلسي وأسره وحبسه في شهر رمضان، وجعله في قفص خشب، ولما وصل قائد جيوش المعز لدين الله إلى دمشق، سلمه إليه حاكمها، فحمله إلى مصر، فلما وصل إلى مصر، جاء جوهر للمعز لدين الله بالزاهد أبا بكر النابلسي، فمثل بين يديه، فسأله قائلا بلغنا أنك قلت إذا كان مع الرجل عشرة أسهم وجب أن يرمي في الروم سهما وفينا تسعة، فقال الإمام النابلسي ما قلت هكذا، ففرح القائد الفاطمي وظن أن الإمام سيرجع عن قوله، ثم سأله بعد برهة فكيف قلت؟ قال الإمام النابلسي قلت إذا كان معه عشرة وجب أن يرميكم بتسعة، ويرمي العاشر فيكم أيضا، فسأله المعز ولم ذلك؟ فرد قائلا لأنكم غيرتم دين الأمة، وقتلتم الصالحين، وأطفأتم نور الإلهية، وادعيتم ما ليس لكم، فأمر المعز بإشهاره في أول يوم، ثم ضُرب في اليوم الثاني بالسياط ضربا شديدا مبرحا

 

وفي اليوم الثالث، أمر جزارا يهوديا بعد رفض الجزارين المسلمين بسلخه، فسُلخ من مفرق رأسه حتى بلغ الوجه، فكان يذكر الله ويصبر، حتى بلغ العضد، فرحمه السلاخ اليهودي وأخذته رقة عليه، فوكز السكين في موضع القلب فقضى عليه، وحشي جلده تبنا وصُلب على أبواب القاهرة، وقتل النابلسي في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة من الهجرة، ولقد سجل التاريخ كفر وظلم وقسوة الشيعة وكيف رحمه اليهودي عند سلخ الامام النابلسي ولم يرحمه الرافضة فهو تطبيق واقعي لقيام العالم بالرسالة ونصرة الدين إنه عالم من علماء الحديث، فهو يعلم أنه يحمل علما أفضل من أي شيء في الدنيا الاسلام الحق لقد سجنه الفاطميون وصلبوه لثباته على السنة، ولما سُلخ كان يُسمع من جسده قراءة القرآن، رحمه الله رحمة واسعه وأسكنه فسيح جناته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى