مقال

الدكروري يكتب عن الإمام النووي ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام النووي ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الإمام النووي هو شيخ الإسلام العالم المُحدث والحافظ والفقيه واللغوي، وهو أحد أبرز علماء الإسلام وفقهاء الشافعية، واشتهر بكتبه وتصانيفه العديدة في الفقه والحديث واللغة والتراجم، وهو صاحب أشهر ثلاثة كتب لا يكاد بيت مسلم يخلو منها، وهي الأربعون النووية، والأذكار، ورياض الصالحين، وكنيته محيي الدين، وأبو زكريا، ولقب بشيخ الشافعية وقطب الأولياء وشيخ الإسلام والمسلمين، وعمدة الفقهاء والمُحدّثين، وصفوة الأولياء والصالحين، وكان لا يضيع وقتا في ليل أو نهار إلا في الاشتغال بالعلم، حتى في ذهابه في الطريق ومجيئه كان يشتغل في تكرار أو مطالعة، وهو الإمام الحافظ شيخ الإسلام محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف الحزامي الشافعي، المشهور باسم النووي ونسبة إلى نوى، وهي قرية من قرى حوران في سورية، وتقع مدينة نوى شمال غربي سهل حوران.

وتتبع إداريا لمحافظة درعا وتبعد عن مدينة دمشق خمس وثمانين كيلومترا وعن مدينة درعا أربعين كيلومترا، وولد الإمام النووي رحمه الله في شهر محرم عام ستمائة وواحد وثلاثين من الهجرة، في قرية نوى من أبوين صالحين، ولما بلغ العاشرة من عمره بدأ في حفظ القرآن وقراءة الفقه على بعض أهل العلم هناك، وصادف أن مر بتلك القرية الشيخ ياسين بن يوسف المراكشي، فرأى الصبيان يكرهونه على اللعب، وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم، ويقرأ القرآن، فذهب إلى والده ونصحه أن يفرغه لطلب العلم، فاستجاب له، وفي سنة ستمائة وتسع وأربعون من الهجرة، وقدم مع أبيه إلى دمشق لاستكمال تحصيله العلمي في مدرسة دار الحديث، وسكن المدرسة الرواحية، وهي ملاصقة للمسجد الأموي، وفي عام ستمائة وواحد وخمسين من الهجرة، حج مع أبيه.

ثم رجع إلى دمشق، وهناك أكب على علمائها ينهل منهم، وكان الإمام النووي مهيبا، قليل الضحك، عديم اللعب، يقول الحق وإن كان مرا، لا يخاف في الله لومة لائم، وكان الزهد والورع أهم ملامح شخصيته حيث أجمع أصحاب كتب التراجم أنه كان رأسا في الزهد، قدوة في الورع، عديم النظير في مناصحة الحكام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكان رحمه الله لا يأكل في اليوم والليلة إلا أكلة واحدة بعد العشاء الآخرة، وكان لا يأخذ من أحد شيئا، وكان كثيرا ما يكاتب الأمراء والوزراء، وينصحهم لما فيه خير البلاد والعباد، وتميزت حياته العلمية بعد وصوله إلى دمشق بثلاثة أمور، فالأول هو الجد في طلب العلم والتحصيل في أول نشأته وفي شبابه، والثاني هو سعة علمه وثقافته، وقد جمع إلى جانب الجد في الطلب غزارة العلم والثقافة المتعددة، فقد كان يقرأ كل يوم اثني عشر درسا.

على المشايخ شرحا وتصحيحا، والثالث هو غزارة إنتاجه، فقد بدأ به عام ستمائة وستون من الهجرة، أي في الثلاثين من عمره، وقد بارك الله له في وقته، وأعانه، فأذاب عُصارة فكره في كتب ومؤلفات عظيمة ومدهشة، تلمس فيها سهولة العبارة، وسطوعَ الدليل، ووضوح الأفكار، وما زالت مؤلفاته حتى الآن تحظى باهتمام كل مسلم، وقد أجمع أصحاب كتب التراجم أن الإمام النووي كان رأسا في الزهد، وقدوة في الورع، وعديم النظير في مناصحة الحكام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أهم صفاته الزهد والورع، فيروى أنه سُئل لماذا لم تتزوج؟ فقال نسيت وذلك لاشتغاله العظيم بتحصيل العلم ونشره، وفي حياة الإمام النووي أمثلة كثيرة تدل على ورع شديد، فكان لا يقبل من أحد هدية ولا عطية، وكان لا يقبل إلا من والديه وأقاربه، فكانت أمه ترسل إليه القميص ونحوه ليلبسه.

وكان أبوه يرسل إليه ما يأكله، وكان ينام في غرفته التي سكن فيها يوم نزل دمشق في المدرسة الرواحية، ولم يكن يبتغي وراء ذلك شيئا وكان الإمام النووي لا يأكل في اليوم والليلة إلا أكلة واحدة بعد العشاء الآخرة، ولا يشرب إلا شربة واحدة عند السحر، وكان لا يشرب الماء البارد، وكان النووي لا يضيع وقتا في ليل أو نهار إلا في الاشتغال بالعلم، حتى في ذهابه في الطريق ومجيئه كان يشتغل في تكرار أو مطالعة، وبقي على التحصيل على هذا الوجه نحو ست سنين ثم اشتغل بالتصنيف والمناصحة للمسلمين وولاتهم، مع ما هو عليه من المجاهدة لنفسه، والعمل بدقائق الفقه والاجتهاد على الخروج من خلاف العلماء، وكان بعيد المراقبة لأعمال القلوب وتصفيتها من السوء، يحاسب نفسه على الخطرة بعد الخطرة، وكان مُحققا في علمه وفنونه، مدققا حافظا لحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم عارفا بأنواعه كلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى