مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن خلكان ” جزء 3″

جربدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن خلكان ” جزء 3″

بقلم / محمــــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع الإمام إبن خلكان، وذكر جماعة ممن شاهدهم ونقل عنهم، أو عاصرهم ولم يلقهم، ويتناول كتابه كل ذي شهرة بين الناس، ويحاول إثبات المولد إن وجده، ويذكر النسب إذا قدر، ويضبط بعض الألفاظ مما يمكن أن يقع فيه التصحيف، ويسجل محاسن الناس من مكرمة أو نادرة أو شعر أو فكاهة دفعا للملل، ويتوخّى الإيجاز، وأراد ابن خلكان أن يكون دقيقا فيما رسم لنفسه من خطة، ولكن عوامل عديدة تدخلت لتفسد عليه ما كان يريده، ومنها تراخي الزمان بين كتابة القسم الأول وكتابة القسم الثاني، وندرة المصادر، ويتميز كتاب ابن خلكان بأنه جعله عاما جامعا، إلى جانب شدة تحريه في انتقاء المعلومات وتمحيصها، ووفرة المصادر التي اعتمد عليها، والأمانة في نقل المعلومات، والنزاهة في الحكم على الأشخاص مهما كانوا يختلفون عنه في العقيدة.

 

أو المذهب أو منحى الحياة، هذا إضافة إلى صفات هامة أخرى مثل الدقة في الاختيار، وضبط الأعلام، وسريان الروح الأدبية في العرض، من غير إساءة إلى روح المؤرخ الناقد، علاوة على تحرّجه عن ذكر السيئات، وكان من بين أشهر أساتذته، هم أحمد بن كمال بن منعة الذي خلف أباه شهاب الدين في التعليم بالمدرسة المظفرية، ومحمد بن هبة الله بن المكرم، أبو جعفر البغدادي الصوفي، وأحمد بن هبة الله بن سعد الله، أبو القاسم الطائي الحلبي النحوي، المشهور بابن الجبراني، وعبد اللطيف بن يوسف بن محمد، موفق الدين أبو محمد البغدادي النحوي الفقيه، وعلي بن أبي الكرم محمد، عز الدين ابن الأثير الشيباني ، العلامة المُحدث، الأديب النسابة، ومحمد بن أبي بكر بن علي، أبو عبد الله الموصلي، المشهور بابن الخباز، الفقيه الشافعي، ويوسف بن رافع بن تميم.

 

وبهاء الدين أبو المحاسن، قاضي حلب الشهير بابن شداد، وجمال الدين أبو بكر الماهاني، والمفضل بن عمر بن المفضل، أثير الدين الأبهري، صاحب التعليقة في الخلاف، وابن بطوطة يصف مشاهداته في الموصل، وابن خلكان قصد الموصل طلبا للعلم، والمبارك بن أحمد المبارك، أبو البركات المحدث، المشهور بابن المستوفى، وموسى بن يونس بن محمد، أبو الفتح الإربلي الفقيه، وعثمان بن عبد الرحمن بن عثمان، أبو عمرو الفقيه، الشهير بابن الصلاح، ويعيش بن علي بن يعيش، موفق الدين أبو البقاء النحوي، وأحمد بن موسى بن يونس ابن منعة، أبو الفضل الإربلي، ويوسف بن محمد بن إبراهيم، أبو الحجاج الأنصاري البياسي، الأديب، وعبد العظيم بن عبد القوي، أبو محمد المنذري، الحافظ المؤرخ، وقد شرع ابن خلكان في كتابة مؤلفه الشهير وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان.

 

وذلك بمدينة القاهرة في سنة ستمائة وأربعة وخمسين من الهجرة، وكان عمره حينها ست وأربعين عاما، ولكنه اضطر إلى الانقطاع عن المضي قدما في إنجازه وذلك أثناء ولايته لقضاء دمشق، ثم عاد ليتممه في جمادى الآخرة من سنة ستمائة واثنين وسبعين هجرية، وللكتاب نسخة مهمة جيدة ما زالت محفوظة لغاية تاريخه في المتحف البريطاني، ولقد شاءت الأقدار أن نفقد معظم المؤلفات التي تناولت رجالا مشاهيرا كان لهم فضلا كبيرا في الفكر والتصنيف من قبل وخلال عصر ابن خلكان، ومن هنا اكتسب وفيات الأعيان شهرة كبيرة لأنه يعتبر من أهم المصادر في التراجم والتاريخ الأدبي، كما ينسب لابن خلكان كتاب التاريخ الأكبر في طبقات العلماء وأخبارهم، مع أن البعض يرجّح أن يكون هذا الكتاب لأخيه محمد بهاء الدين قاضي بعلبك، وكناب وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان.

 

تضمن ما يثبت صحته بالنقل أو السماع أو اثبته العيان، وهو كتاب موسوعي ضخم يقع في قسمين ويضيف لنا الكثير من المعلومات حول رجال وأعلام، أدباء، وشعراء، ساسة وفقهاء، ممن أسهموا في سائر فروع الحياة الفكرية والعلمية والمعرفية، بل أنه يزودنا بمعرفة أشخاص غابت عنهم الأضواء فبدت ملامحهم مجهولة لنا قبل وصفها من قبل صاحب الكتاب الكبير، وأما عن أقول العلماء في الكتاب ققال عنه المقريزي كتاب وفيات الأعيان، وقد بلغ من الشهرة مبلغا لا مزيد عليه، ويوجد ثلاثة نسخ، كبرى ووسطى وصغرى، فالوسطى أكثر جودا من الآخرين، ولم أقصر هذا المختصر على طائفة مخصوصة مثل العلماء أو الملوك أو الأمراء أو الوزراء أو الشعراء، بل كل من له شهرة بين الناس، ويقع السؤال عنه ذكرته وأتيت من أحواله بما وقفت عليه.

 

مع الإيجاز كيلا يطول الكتاب، وأثبت وفاته ومولده إن قدرت عليه، ورفعت نسبه على ما ظفرت به، وقيدت من الألفاظ ما لا يؤمن تصحيفه، وذكرت من محاسن كل شخص ما يليق به من مكرمة أو نادرة أو رسالة ليتفكه به متأمله ولا يراه مقصورا على أسلوب واحد فيمله، والدواعي إنما تنبعث لتصفح الكتاب إذا كان متفننا، وإلى جانب مؤلفات ابن خلكان نرى مجموعة كبيرة من أشعار نظمها، منها على قافية الباء، والسين، والياء، والهاء، والميم، واللام، وجميعها أشعار تقليدية مستقاة من الأغراض التي شاعت في أيامه، وذلك لا يمنع من ضرورة جمعها لمبررين، فالأول لانها تجسد شخصية ابن خلكان، وأسلوبه وثقافته ونزوعه واتجاهاته الفكرية بجلاء ووضوح، وثانيا لأنها تعكس طبيعة عصره بكامل أبعاده الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.

 

وكان ابن خلكان من بيت معروف بالفقه والمناصب الدينية، فهو إماما فاضلا عالما وأديبا بارعا متفننا عارفا بالمذهب حسن الفتاوى جيد القريحة بصيرا بالعربية علامة في الأدب والشعر، كما كان قاضيا عادلا ومؤرخا جامعا غزير الفضل كامل العقل، وله الباع الطويل في الفقه والنحو، جمع بين فصاحة المنطق وغزارة الفضل وثبات الجأش ونزاهة النفس، فقيل أنه أحد علماء عصره المشهورين وسيد أدباء دهره المذكورين، جمع بين علوم جمة فقه وعربية وتأريخ ولغة، كما قيل عنه أنه قال أحفظ سبعة عشر ديوانا من الشعر، وتوفي ابن خلكان في سفح قاسيون في دمشق في سنة ستمائة وواحد وثمانين هجرية، الموافق ألف ومائتان واثنين وثمانين ميلادي، وكان يبلغ من العمر حينئذ ثلاث وسبعون سنة، رحمه الله رحمة واسعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى