مقال

الدكروري يكتب عن شهر الجهاد والصبر ” جزء 10″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن شهر الجهاد والصبر ” جزء 10″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء العاشر مع شهر الجهاد والصبر، فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال صلى الله عليه وسلم ” أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا ألا وقد كان لفلان كذا” رواه البخارى ومسلم، فلنعلم أنه ليس لنا من أموالنا إلا ما أنفقنا في هذه الدنيا، وما سواه فللورثة، فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال صلى الله عليه وسلم “يقول العبد مالى مالى، وإن له من ماله ثلاثا، ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فأقنى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس” رواه مسلم، وإن من تدبر هذا، عمل لآخرته وقدم لنفسه قبل فوات الأوان، فما أسرع نسيانك يا ابن آدم بعد موتك فإن باكيك سرعان ما يسلو، وكأنك لم تخلق، ولهذا أمر النبى صلى الله عليه وسلم المسلم بكتابة وصيته قبل موته.

 

فعن ابن عمر رضى الله عنه قال صلى الله عليه وسلم ” ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده” رواه البخارى ومسلم، فكم جمع الإنسان من الأموال، وهو يؤمل أن يعمل بها ويبني بها ويفاخر بها، واخترمته المنية قبل ذلك، فقيل دخل الحسن البصرى على عبد الله بن الأهتم يعوده فقال يا أبا معمر كيف تجدك قال أجدني والله وجعا، ولا أظنني إلا لمّ بى، ولكن ما تقولون فى مائة ألف فى هذا الصندوق لم تؤد منها زكاة ولم يوصل منها رحم؟ قال ثكلتك أمك فلمن كنت تجمعها؟ قال كنت والله أجمعها لروعة الزمان وجفوة السلطان، ومكاثرة العشيرة، فقال الحسن انظروا هذا البائس أنى أتاه الشيطان، فحذره روعة زمانه وجفوة سلطانه عما استودعه الله إياه وعمره فيه، إن يوم القيامة ذو حسرات، وإن أعظم الحسرات غدا أن يرى أحدكم ماله في ميزان غيره.

 

أو تدرون كيف ذاكم؟ رجل آتاه الله مالا وأمره بإنفاقه في صنوف حقوق الله فبخل به فورثه هذا الوارث، فهو يراه فى ميزان غيره، فيا لها عثرة لا تقال وتوبة لا تنال، وليس المقصود من البخل بخلك على نفسك فى المأكل والمشرب، وإن كان ذلك مذموما، وإنما المقصود الأعظم هو بخلك عن نفسك فى عمل الصالحات وإنفاق الأموال في مرضات الرب سبحانه وتعالى، فالله الله فى مشاريع الخير وجهات البر والوقوف في سبيل الله، فما كنت ترجو أن تلقاه غدا فى ميزان حسناتك، فادفعه اليوم أمامك، فقال تعالى ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون” فالبخل هى صفة ذميمة من أسوأ الصفات التى يكرهها الناس، وهى تدل على ضعف العقل, وهى آفة عظيمة لا تجتمع مع الإيمان، تؤخر صاحبها عن صفات الأنبياء والصالحين إنها صفة البخل والشح، والبخل هو منع ما يجب.

 

وما ينبغى بذله, ويشمل كل بر ومعروف مالا أو غيره، وقال ابن حجر “البخل منع ما يُطلب مما يُقتنى، وشرّه ما كان طالبه مستحقا، وخصوصا إن كان من غير مال المسؤول” وقال القرطبى “البخل المذموم في الشرع هو امتناع المرء عن أداء ما أوجب الله تعالى عليه” وأشد البخل الشح، وقال الرازى “الشح هو البخل مع حرص” وحسب البخل أن الله ذمه وتوعد أهله بالعقوبات العاجلة والآجلة والبخل سمة لليهود لا تليق بالمؤمنين بالكريم المعبود, وقال الإمام الشوكانى “البخل قد لزم اليهود لزوم الظلّ للشمس، فلا ترى يهوديا، وإن كان ماله في غاية الكثرة، إلا وهو من أبخل خلق الله” وهي صفة في المنافقين، وقال الطبرى “إن الله وصف هؤلاء المنافقين بالجبن والشح، ولم يخصص وصفهم من معاني الشح بمعنى دون معنى، فهم كما وصفهم الله به أشحة على المؤمنين بالغنيمة.

 

والخير والنفقة في سبيل الله، على أهل مسكنة المسلمين” وقال صلى الله عليه وسلم “يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح” وقال ابن حجر”فالمراد إلقاؤه في قلوب الناس على اختلاف أحوالهم, حتى يبخل العالم بعلمه فيترك التعليم والفتوى, ويبخل الصانع بصناعته حتى يترك تعليم غيره, ويبخل الغني بماله حتى يهلك الفقير, وليس المراد وجود أصل الشح لأنه لم يزل موجودا” ويتجلى الشح فى صور ومظاهر كثيرة فمن ذلك، الشح بفعل الواجبات والقيام بالطاعات التي افترضها رب البريات سبحانه، ومن مظاهر البخل والشح هو حرمان المساكين والفقراء من الحق الذى أرشد إليه رب الأرض والسماء وأكد عليه سيد الأنبياء، وكما أن من المظاهر هو ترك الإنفاق في سبيل الكريم الخلاق وواهب الأرزاق، ومن مظاهر ذلك هو عدم إعانة الناس على قضاء حوائجهم، والغفلة عن فضل ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى