مقال

الدكروري يكتب عن الإمام العز إبن عبد السلام ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام العز إبن عبد السلام ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الإمام العز إبن عبد السلام هو أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن حسن السُّلمي الشافعي الملقب بسلطان العلماء وبائع الملوك وشيخ الإسلام، هو عالم وقاضي مسلم، برع في الفقه والأصول والتفسير واللغة، وبلغ رتبة الاجتهاد، وتعلم العز بن عبد السلام في الجامع الأموي في دمشق، والسلمي هو نسبه إلي بني سُليم، وهي إحدى القبائل المشهورة من قبائل مضر، ويُنسب إليهم كثيرون، والمغربي أي يعود أصله إلى بلاد المغرب العربي، ولعل أحد أجداده جاء من المغرب وسكن الشام، والدمشقي نسبة إلى دمشق، لأن العز ولد وترعرع وطلب العلم بها، وتولى فيها المناصب والأعمال المختلفة، وقضى فيها معظم حياته، والمصري نسبة إلى مصر، التي انتقل إليها واستقر بها ومات فيها ودفن، ولذلك يقال عنه المغربي أصلا، الدمشقي مولدا.

 

المصري دارا ووفاة، والشافعي نسبة إلى مذهب الإمام محمد بن إدريس الشافعي في الفقه الإسلامي، وينسب إليه العز لأنه تفقه على هذا المذهب، ودرّسه وأفتى به، وتولى القضاء للحكم بأحكامه، وقام بتصنيف الكتب الفقهية في المذهب الشافعي، حتى بلغ رتبة الاجتهاد في المذهب، وكانت كنيته أبو محمد، ومن ألقابه عز الدين جريا على عادة ذلك العصر الذي انتشرت فيه الألقاب عامة للخلفاء والملوك والأمراء والعلماء، والنسبة إلى الدين خاصة، فلقب بعز الدين، ويختصر بالعز وهي التسمية الشائعة في الاستعمال عند الناس وفي كتب التاريخ والتراجم والفقه، كما اشتهر بلقبه الثاني سلطان العلماء، ويُعرف أيضا بابن عبد السلام إشارة إليه في بعض الأحيان، ولكن يشاركه في هذه التسمية الأخيرة غيره من المالكية خاصة، ومن الشافعية والحنابلة، ولذلك نسبت بعض كتبهم.

 

إلى العز بن عبد السلام، ولقب أيضا بالقاضي، وهذا وصف له لتوليه منصب القضاء في دمشق والقاهرة، كما لقب أيضا بقاضي القضاة لتعيينه مسؤولا عن القضاء والقضاة في الفسطاط والوجه القبلي، وأما لقب سلطان العلماء فقد لقبه به تلميذه الأول ابن دقيق العيد كما ذكره ابن السبكي فقال وهو الذي لقب الشيخ عز الدين سلطان العلماء، ووجه هذه التسمية أنه أكد مكانة العلماء، ورفع ذكرهم في عصره، وجسّد ذلك في مواقفه، في الإنكار على الحكام والسلاطين والأمراء لبعض تصرفاتهم المخالفة، وقارعهم بالحجة والبيان فغلبهم، وكان على رأس العلماء في هذا الموقف الصلب، مما عرّضه لكثير من المتاعب، واشتهر العز بن عبد السلام بهذا اللقب، ونقله معظم الكتاب والمؤلفين والمترجمين له، واتفقوا على استحقاق العز لهذه التسمية، ولكنهم اختلفوا في تعليلها.

 

فذهب بعضهم إلى التعليل السابق، وقال كثيرون إنه اشتهر بهذا اللقب لنظراته التجديدية، ونفوره من التقليد، وبلوغه مرتبة الاجتهاد، وخاصة أنه عاش في عصر شاع فيه التقليد، والتزم الناس به، وهمس بعضهم بقفل باب الاجتهاد، وعكفوا على كتب السابقين وآرائهم، ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث والاستنباط، ومواجهة الظروف المتغيرة والمسائل الجديدة والقضايا المطروحة، فخرج العز عن هذا الطوق بقوله وفعله واجتهاده وتصنيفه، وقال الحافظ الذهبي بلغ رتبة الاجتهاد، وانتهت إليه رئاسة المذهب، مع الزهد والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصلابة في الدين، وقصده الطلبة من الآفاق، وتخرج به أئمة، وقال ابن العماد الحنبلي عز الدين شيخ الإسلام الإمام العلامة، وحيد عصره، سلطان العلماء، برع في الفقه والأصول واللغة العربية، وفاق الأقران والأضراب.

 

وجمع بين فنون العلم من التفسير والحديث والفقه واختلاف الناس ومآخذهم، وبلغ رتبة الاجتهاد، ورحل إليه الطلبة من سائر البلاد، وصنف التصانيف المفيدة، وُلد العز بن عبد السلام بدمشق سنة خمسمائة وسبع وسبعين من الهجرة، الموافق ألف ومائة وواحد وثمانين من الميلاد، ونشأ بها، ودرس علوم الشريعة واللغة العربية، وتولى الخطابة بالجامع الأموي والتدريس في زاوية الغزالي فيه، واشتهر بعلمه حتى قصده الطلبة من البلاد، كما اشتهر بمناصحة الحكام ومعارضتهم إذا ارتكبوا ما يخالف الشريعة الإسلامية برأيه، وقد قاده ذلك إلى الحبس، ثم إلى الهجرة إلى مصر، فتم تعيينه قاضيا للقضاة فيها، وقام بالتدريس والإفتاء، وتم تعيينه للخطابة بجامع عمرو بن العاص، وحرّض الناس على ملاقاة التتار وقتال الصليبيين، وشارك في الجهاد بنفسه.

 

وعمّر حتى مات بالقاهرة سنة ستمائة وستين من الهجرة، الموافق ألف ومائتان واثنين وستين للميلاد، ودُفن بها، وعاش العز بن عبد السلام في الربع الأخير من القرن السادس الهجري، وأكثر من النصف الأول من القرن السابع وعاصر الدولة الأيوبية والدولة المملوكية في الشام ومصر وتعد هذه الفترة الزمنية من أشد العصور في التاريخ الإسلامي اضطرابا وقلقا إذ كانت سلطة الخلافة العباسية والدول القائمة تحت نفوذها في ارتفاع وانخفاض مطلقين، والناس يتنقّلون بين الاستقلال والاحتلال، والوحدة والانفصال، ففي القرن الخامس الهجري اتجه الصليبيون إلى ديار الإسلام، فاحتلوا أجزاء كثيرة من العالم الإسلامي، حتى سقط بيت المقدس في أيديهم سنة ربعمائة واثنين وتسعين من الهجرة، ثم جاء عهد عماد الدين زنكي أمير الموصل الذي تصدى للصليبيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى