مقال

الدكروري يكتب عن الإمام العز إبن عبد السلام ” جزء 10″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام العز إبن عبد السلام ” جزء 10″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء العاشر مع الإمام العز إبن عبد السلام، فقال ابن كثير وأفاد الطلبة ودرّس بعدة مدارس بدمشق، واقتصرت المراجع والمصادر على تحديد مكانين درّس فيهما العز في الشام وهما المدرسة الشبلية البرانية، وكانت خارج دمشق على سفح جبل قاسيون بالصالحية، ولعل ذلك في أيام الملك الأشرف موسى الذي لم يكن على وفاق تام مع العز في أول الأمر، والمدرسة الغزالية وهي الزاوية الغربية بالجامع الأموي، ونسبت إلى أبي حامد الغزالي لكثرة اعتكافه فيها وتدريسه وتأليفه حين إقامته بدمشق، ثم قام بالتدريس فيها كبار العلماء، ونصت المصادر على أن الملك الكامل عندما ملك دمشق وحضر إليها سنة ستمائة وخمس وثلاثين من الهجرة، كلف العز بالتدريس في هذه المدرسة، فقال ابن السبكي وولى الملك الكامل رحمه الله الشيخ تدريس زاوية الغزالي بجامع دمشق.

 

وذكر بها الناس، واستمر العز بالتدريس في هذه الزاوية حتى آخر مقامه بدمشق وهجرته إلى القدس فمصر، وصار صيت العز شائعا، وشهرته عامة، وأكدت معظم كتب التراجم على عبارة وقصده الطلبة من الآفاق، وتخرج به أئمة، ورحل إليه الطلبة من سائر البلاد، وقال قطب الدين اليونيني عن تدريسه، كان مع شدته فيه حسن المحاضرة بالنوادر والأشعار، وكان العز متأثرا بجودة التدريس وحسن الخطابة والإلقاء بشيخه الآمدي، كما تأثر بالقاسم بن عساكر في المرح بالدرس، واستعمال المزح وطرح التكلف، فقال ابن كثير وكان لطيفا ظريفا يستشهد بالأشعار، ولما انتقل العز إلى مصر واظب على التدريس الحر والدروس العامة، مع وظيفته في الخطابة والقضاء، ولم يُعين للتدريس في وظيفة رسمية حتى عزل نفسه من القضاء، وكان السلطان الصالح أيوب.

 

يبني المدرسة الصالحية بين القصرين في القاهرة، وأعدها لتدريس الفقه على المذاهب الأربعة، واكتمل بناؤها سنة ستمائة وتسع وثلاثين من الهجرة، فحاول السلطان أن يثني العز عن استقالته من القضاء فأبى، فلما رأى زهده في منصب القضاء وافق علي استقالته وعرض عليه تدريس الفقه الشافعي في هذه المدرسة فقبله، فعكف على التدريس فيها للشافعية، وقصده الطلبة من كل البلاد، وتخرج به الأئمة، وبقي فيها حتى توفي، ولما بنى الملك الظاهر بيبرس مدرسته الظاهرية بالقاهرة، سأل العز أن يكون مدرّسا بها، فأجابه إن معي تدريس الصالحية، فلا أضيِّق على غيري، ولما مرض العز مرض الموت، أرسل له الملك الظاهر بيبرس وقال له عيّن مناصبك لمن تريد من أولادك، فقال ما فيهم من يصلح، وهذه المدرسة الصالحية تصلح للقاضي تاج الدين بن بنت الأعز.

 

وهو أحد تلاميذه، ففوضت إليه، وكان العز بن عبد السلام هو أول من درّس التفسير، حيث كان من ميزات العز بن عبد السلام التي تفرد بها أنه ابتدأ في إلقاء دروس في التفسير لأول مرة، ولم يكن ذلك معهودا من قبل، ولذلك قال ابن العماد الحنبلي وأخذ التفسير في دروسه، وهو أول من أخذه في الدروس، وقال السيوطي وألقى التفسير بمصر دروسا، وهو أول من فعل ذلك، وأيضا من أعماله هي الخطابة، حيث تولى العز بن عبد السلام الخطابة في الجامع الأموي بدمشق من قبل الملك الصالح إسماعيل سنة ستمائة وسبع وثلاثين من الهجرة، حتى وصف تلميذه أبو شامة المقدسي جدارة الشيخ بهذا المنصب فقال وفي العشر الأخير من ربيع الآخر تولى الخطابة بدمشق أحق الناس بالإمامة يومئذ، الشيخ الفقيه عز الدين بن عبد السلام السلمي، مفتي الشام يومئذ.

 

ناصر السنة، قامع البدعة، وكما تولى العز بن عبد السلام خطابة جامع عمرو بن العاص بالقاهرة، وكان العز خطيبا صاحب لسان جريئا، فبيّن الأحكام، ولما أنس من الناس الإصغاء والاستماع شرع في إبطال البدع، وإزالة ما لحق بالدين من الخطباء والأئمة وغيرهم، كدق السيف على المنبر، ولبس السواد، وسجع الخطب، والثناء المفرط على الحكام، فلم يلبس العز السواد في خطبته، ولا سجع فيها، وكان يقولها مترسلا، واجتنب الثناء على الملوك، ولكنه كان يدعو لهم إن كانوا صالحين وما داموا على الحق، كما كان العز في الخطابة يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فأبطل عمليا صلاة الرغائب لأنها برأيه لم يثبت فيها دليل شرعي، ثم أبطل صلاة النصف من شعبان لنفس السبب، فعارضه ابن الصلاح وصنف رسالة في تأييدها والدفاع عن ثبوتها، فرد عليه العز برسالة.

 

وافقه عليها كبار العلماء، ولم يستمر العز طويلا في خطابة دمشق، فبقي فيها مدة سنة تقريبا، إذ وقعت قصة الملك الصالح إسماعيل في تحالفه مع الفرنج، فترك العز الدعاء له وأنكر عليه فعلته وفضح أمره على الملأ، فعزله عن الخطابة سنة ستمائة وثماني وثلاثين من الهجرة، وحبسه ثم أطلقه، ولما انتقل العز إلى مصر عام ستمائة وتسع وثلاثين من الهجرة، كانت شهرته قد سبقته، فتلقاه بمصر سلطانها الملك الصالح أيوب بالتعظيم والتبجيل والإكرام، وعينه فورا خطيبا لأعظم مساجد مصر، وهو جامع عمرو بن العاص، وقام العز بمناصبه حتى وقعت حادثة الطبلخانة، وهدم بنفسه البناء على ظهر المسجد، وبادر إلى عزل نفسه عن القضاء، فتحركت هواجس السلطان وخوفه من منصب العز بالخطابة، وتذكر ما فعله من التشنيع على الملك إسماعيل بدمشق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى