مقال

جماعة القرامطة..

جريدة الأضواء

جماعة القرامطة..

 

بقلم _عبدالشكورعامر

 

أُبتلي العالم الإسلامي بظهور جماعات وأحزاب دينية وسياسية ، مثلت تحدياً تاريخياً وإجتماعياً وعسكرياً ووجودياً ، وهددت كيان الدولة الإسلامية الناشئة عبر تاريخها ، ومع توسع رقعة الدولة الإسلامية وبسط هيمنتها على الشرق والغرب فى أقل من مائتي عام منذ الهجرة الأولى للمدينة المنورة ، وبعد وضع النبي الكريم لأُسس وقواعد امبراطورية عظيمة وحضارة خالدة ، إلا أن هذه الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس بدت ضعيفة فى مواجهة مثل هذه الجماعات والفرق والأحزاب لفترة من الزمن وذلك بسبب خصوصيتها التنظيمية وأيديولوجيتها المعقدة .

 

ومن أخطر وأسوأ الجماعات التي ظهرت فى التاريخ الإسلامي جماعة القرامطة الذين حظي تاريخهم السياسي بجرائم وفظائع وثقها المؤرخون والتاريخ على حد سواء.

 

فمن هم القرامطة ؟ وكيف نشأوا؟ وماذا فعلوا؟ وكيف انتهوا؟

 

فالقرامطة واحدة من أكثر الفرق الإسلامية دموية وعنفاً فى التاريخ الإسلامى ، وفرقة القرامطة والتى سُميت بهذا الإسم نسبة إلى الدولة القرمطية التى انشقت عن الدولة الفاطمية ، وقامت عقب ثورة إجتماعية وأخذت طابعاً دينياً ، وكان مقر دولتهم بمحافظة الأحساء الحالية فى شرق الجزيرة العربية ، ومن جرائمهم سرقة الحجر الأسود من بيت الله الحرام .

 

والقرامطة هم فى الأصل مُنشقين عن الحركة الإسماعيلية ، واعتقدوا بعودة الإمام محمد بن إسماعيل فى صورة المهدى المنتظر ، وظنوا بأن الإمام عبيد الله المهدى خدعهم ، فأوقفوا الدعوة له ، وعارضوا مسألة العصمة ، وكان القرامطة يُبيحون سفك دماء خصومهم ، فأثاروا الرعب والإرهاب فى البصرة والأحواز خلال ثورة الزنج .

 

واستمر هجوم القرامطة على أطراف مكة المكرمة والحجاج القادمين من العراق والشام وغيرها ، وهو الأمر الذي أثر بالسلب في أعداد الحجاج ، التي راحت تقل عاماً بعد آخر .

 

وفي العام 317هجرية أفتى كثير من العلماء ببطلان الحج ؛ حماية للأنفس والأعراض ، حتى جاءت الطامة الكبرى في العام نفسه ، فقرر أبو طاهر القرمطى عدم الاكتفاء بقطع طريق الحجاج ، إنما مهاجمة مكة ذاتها ، وعندما خرج والي مكة ، ابن محلب ، مع عدد من أعيانها للقاء القرمطي وجيشه ، والطلب منهم الابتعاد عن المدينة المقدسة ، عاجلهم جنود القرمطى بالسيف فقتلهم جميعاً .

 

ثم اتجه القرمطى إلى المسجد الحرام فدخله بعساكره ، وراحوا يقتلون الناس داخل الحرم وفى طرقات وشوارع مكة المكرمة حتى امتلأ البلد الحرام بالجثث ، ولم يكتفِ القرمطى بهذا ، بل نزع عن الكعبة ستارها وقلع بابها وأخذه ، واقتلع الحجر الأسود وأخذه معه أيضاً .

 

وظل الحجر الأسود في حوزة القرامطة نحو عشرين سنة ، بلغوا فيها أوج قوتهم، فقد ضموا إليهم بلاد عُمان وهاجموا الكوفة والبصرة مراراً .

 

ولم يقوي العباسيون على فعل شيء أمام جرائم القرمطيين ، وقرروا عقد الصلح معهم مقابل دفع فدية سنوية هائلة تقدر بـ 120 ألف دينار ذهبي ، وفي العام 337هـجرية وبعد وساطة شاقة ، ودفع أموال هائلة ، تسلم العباسيون الحجر الأسود وأرجعوه إلى مكانه مرة أخرى .

 

في نهاية المطاف سقط القرامطة ؛ من جراء انكماشهم الداخلي بعد إسناد إمارة البحرين إلى شاب رأى الجنابي أنه المهدي المنتظر ، فقام ذاك المهدي المزعوم بإعدام عديد من أعيان الدولة ، التي شارفت الإنهيار ودخلت في حرب مع الفاطميين ، دفعت بعديد من القرامطة إلى الإرتحال إلى إيران .

وفي منتصف القرن الخامس الهجري ، استطاع العوينيون وبعض القبائل العربية الموالية للعباسيين والسلاجقة هزيمة القرامطة ودحرهم عن إقليم الأحساء والبحرين ، بعد ما يقرب من قرنين ، استباح فيهما القرامطة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم ، وكانوا كابوساً مُفزعاً واشد بربرية ودموية من التتار المغوليين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى