مقال

الدكروري يكتب عن الاعتكاف ” جزء 7″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الاعتكاف ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء السابع مع الاعتكاف، وكان صلى الله عليه وسلم وهو معتكف لا يشهد جنازة، ولا يعود مريضا بل هو منقطع للعبادات المحضة من صلاة وذكر وقرآن كما في حديث السيدة رضي الله عنها قالت “كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف، فيمر كما هو، ولا يعرج يسأل عنه” رواه أبو داود، وكان صلى الله عليه وسلم يستقبل زُواره وهو في معتكفه، ومن ذلك زيارة نسائه رضي الله عنهن له عليه الصلاة والسلام كما جاء في حديث السيدة صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا، فحدثته ثم قمت، فانقلبت فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامه بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فَقَال النبي صلى الله عليه وسلم ” علي رسلكما، إنها صفية بنت حيي”

 

فقالا سبحان الله يا رسول الله، قال “إن الشيطان يجري من الإنسان مجري الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا” أو قَال ” شيئا ” رواه الشيخان، ويُؤخذ من الحديث جواز زيارة المعتكف، ولا يطيل الزائر اللبث عنده لأنه مشغول بما هو أهم وأعلى من القيام بمقتضيات الزيارة، كما يفيد هذا الحديث أنه ينبغي للمسلم أن يدرأ عن نفسه التهم، ببيان ما يحتاج إلى بيان، ولو كان هو من خيار الناس أو متلبسا باعتكاف، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين بيّن للرجلين أنه مع زوجته السيدة صفية رضي الله عنها، ويستفاد منه أن المعتكف يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويرشد من يحتاج إلى إرشاد، ولا يضر ذلك اعتكافه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد الرجلين لمّا تعجّبا إلى ما حمله على بيان أنه مع زوجته السيدة صفية رضي الله عنها فقال عليه الصلاة والسلام.

 

” إن الشيطان يجري من الإنسان مجري الدم، وإني خشيت أن أقذف في قلوبكما سوءا” ثم إن الاعتكاف في الإسلام ليس انقطاعا سلبيا، ولا عزلة تحول بين صاحبها وبين حاجة الناس إليه ولكنه انقطاع إيجابي مثمر، يعود على صاحبه بالنفع، ولا يحرم الناس من الانتفاع به، وخصوصا إذا كان مما يحتاج إليه في العلم والاحتساب وغير ذلك، والاعتكاف في الليالي العشر من سُنة النبي صلى الله عليه وسلم فمن قدر عليه، حاز خيرا كثيرا، فقال عطاء الخرساني رحمه الله، كان يقال مثل المعتكف كمثل عبد ألقي بنفسه بين يدي ربه، ثم قال رب لا أبرح حتي تغفر لي، رب لا أبرح حتي تغفر لي” ومن عجز عن الاعتكاف أو تثاقل عنه، فلا أقل من أن يحرص على عمارة ليله بالصلاة والذكر والدعاء في هذه العشر المباركات تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يفرغ نفسه لها، ويجتهد في العبادة فيها.

 

كما قالت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزرة وأحيا ليلة وأيقظ أهله” رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم عنها رضي الله عنها، قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرة” وظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في هذه العشر يحيي الليل كلها، ولا يخلطها بنوم كسائر الليالي، وهذا يدل على أهميتها، وفضيلة إحيائها، وعليه فيكون إحياء الليل كله في هذه العشر مخصوصا من النهي العام عن إحياء الليل كله، وما أجمل أن يمكث المسلم في المسجد بين صلاة أول الليل وآخره للقراءة والصلاة والذكر والدعاء، فلعله يدرك ليلة القدر وهو في المسجد لم يبارحه، وله أن يحمل أهله وولده على قيام هذه الليالي المباركة، ويجب عليهم طاعته في ذلك لظاهر حديث الإمام علي رضي الله عنه.

 

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان” رواه الترمذي، فإن نبينا الكريم صلي الله عليه وسلم كان حريصا علي طلب ليلة القدر فقد اعتكف العشر الأواخر بعدما فرض عليه صيام شهر رمضان إلى أن لقي ربه، طمعا في ثواب الله ونيل رحمته، والتماسا لليلة القدر المباركة وكان يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها فقد جعلها الله ميقاتا زمنيا لنزول القرآن، وهي ليلة الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته ودلالته فمن قامها صلاة وعبادة، وقرآنا وذكرا حاز خيرا عظيما، ونال فضلا عميما، فإن شهركم الكريم هذا أيامه ولياليه مباركة عظيمة، نفحات بركاتها لا تعد، وتتابع خيراتها لا يحد، ومع ذلك فهي معدودة ساعاتها، سريع جري أوقاتها، فها نحن أوشكنا أن ننهي ثلثي الشهر، وندخل في الأواخر العشر، فهنيئا لمن جد واجتهد في الأيام القليلة الماضية.

 

هنيئا لأهل الأذكار في الأسحار، هنيئا لمن اعتكف على القرآن في رمضان، هنيئا للصائمين المخلصين، والمنفقين المتصدقين، لكن يجدر بهؤلاء المجتهدين أن ينتبهوا من أن يدفعهم علمهم بالاجتهاد فيما مضى إلى التقصير فيما هو آت فإن ما بقي من الشهر ذو شأن عظيم، وفضل عميم، فليجدوا وليجـتهدوا، وليجعلوا أواخر الشهر خيرا من أوائله، فإن نبيكم صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها، وهو خير الخلق، وحبيب الحق، فتقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيـقظ أهله، ومعني شد مئزره هي كناية عن الجد والاجتهاد في العبادة، ومعني وأحيا ليله، هي عبادة وذكرا وتلاوة، ومعني وأيقظ أهله، أي لينالوا حظهم من الخير الذي ينال، وإنه ليجدر بنا أن نجعل من هدي رسول الله صلي الله عليه وسلم لنا منهجا ونحن نستقبل العشر الأواخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى