مقال

الدكروري يكتب عن جمال الدين الأفغاني ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن جمال الدين الأفغاني ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

جمال الدين الأفغاني هو السيد جمال الدين ويقال محمد جمال الدين بن السيد صفتر الحسيني الأسد آبادي الأفغاني هو أيديولوجي ومفكر إسلامي وناشط سياسي، ويعتبر من مؤسسي حركة الحداثة الإسلامية وأحد دعاة الوحدة الإسلامية في القرن التاسع عشر، جاب دول العالم الإسلامي ومدن أوروبا لندن وباريس واستقر أخيرا في الأستانة وهي إسطنبول حاليا وتوفي فيها، وولد جمال الدين الأفغاني سنة ألف ومائتان وأربعة وخمسين من الهجرة، الموافق عام ألف وثماني مائة وتسع وثلاثين ميلادي، وهناك خلاف حول محل ولادته، فقيل أنه ولد في أسد آباد في إيران، وقيل أنه ولد في أسد آباد في أفغانستان، وذلك بحسب بعض الدراسات الأكاديمية، ووالده السيد صفتر من السادة الحسينية، ويرتقي نسبه إلى علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومن هنا جاء التعريف عنه بالسيد جمال الدين الأفغاني.

 

وجمال الدين الأفغاني يعتبر من أهم الشخصيات الأفغانية المؤثرة وقد ظهر للمرة الأولى شابا سواحا يجعل من الشرق كله وطنا له فيزور بلاد العرب ومصر وتركيا ويقيم في الأفغان وهند وفارس ويسافر إلى كثير من عواصم أوروبا، وقد تربى دينيا ليكون مسلما صوفيا، ولكن عُرف كونه من المسلمين الأصولين، متوافقا مع الأفكار السائدة التي تقف حاجزا أمام سلطة الفكرة والشخص أمام الجماهير، المنحازة للعاطفة الدينية، وقد حدث خلاف شديد بين الكثير من المؤرخين والكتاب حول الدولة التي ينتمي إليها جمال الدين الأفغاني، وأوثقها انتمائه للأفغان، وكانت لأسرته منزلة عالية في بلاد الأفغان، لنسبها الشريف، ولمقامها الاجتماعي والسياسي إذ كانت لها الإمارة والسيادة على جزء من البلاد الأفغانية، تستقل بالحكم فيه، إلى أن نزع الإمارة منها دوست محمد خان أمير الأفغان في ذلك الوقت.

 

وأمر بنقل والد السيد جمال الدين وبعض أعمامه إلى مدينة كابل، وانتقل الأفغاني بانتقال أبيه إليها، وهو بعد في الثامنة من عمره، فعني أبوه بتربيته وتعليمه، على ما جرت به عادة الأمراء والعلماء في بلاده، وكانت مخايل الذكاء، وقوة الفطرة، وتوقد القريحة تبدو عليه منذ صباه، فتعلم اللغة العربية، واللغة الأفغانية، وتلقى علوم الدين، والتاريخ، والمنطق، والفلسفة، والرياضيات فاستوفى حظه من هذه العلوم، على أيدي أساتذة من أهل تلك البلاد، على الطريقة المألوفة في الكتب الإسلامية المشهورة، واستكمل الغاية من دروسه وهو بعد في الثامنة عشرة من عمره، ثم سافر إلى الهند، وأقام بها سنة وبضعة أشهر يدرس العلوم الحديثة على الطريقة الأوروبية وتعلم اللغة الإنجليزية، فنضج فكره، واتسعت مداركه، وكان بطبعه ميالا إلى الرحلات، واستطلاع أحوال الأمم والجماعات، فعرض له وهو في الهند أن يؤدي فريضة الحج.

 

فاغتنم هذه الفرصة وقضى سنة ينتقل في البلاد، ويتعرف أحوالها، وعادات أهلها، حتى وافى مكة المكرمة في سنة ألف ومائتان وثلاث وسبعين من الهجرة، وأدى الفريضة، ثم عاد إلى بلاد الأفغان، وانتظم في خدمة الحكومة على عهد الأمير دوست محمد خان المتقدم ذكره وكان أول عمل له مرافقته إياه في حملة حربية جردها لفتح هراة، وهي إحدى مدن الأفغان، وليس يخفى أن النشأة الحربية تعود صاحبها الشجاعة، واقتحام المخاطر، ومن هنا تبدو صفة من الصفات العالية، التي امتاز بها جمال الدين، وهي الشجاعة، فإن من يخوض غمار القتال في بدء حياته تألف نفسه الجرأة والإقدام، وخاصة إذا كان بفطرته شجاعا، ففي نشأة الأفغاني الأولى، وفي الدور الأول من حياته، تستطيع أن تتعرف على أخلاقه، والعناصر التي تكونت منها شخصيتة، فقد نشأ من بيت مجيد، ازدان بالشرف واعتز بالإمارة.

 

والسيادة، والحكم، زمنا ما، وتربى في مهاد العز، في كنف أبيه ورعايته، فكان للوراثة والنشأة الأولى أثرهما فيما طبع عليه من عزة النفس، التي كانت من أخص صفاته، ولازمته طوال حياته، وكان للحرب التي خاضها أثرها أيضا فيم اكتسبه من الأخلاق الحربية، وسار الأفغاني إذن في جيش دوست محمد خان لفتح مدينة هراة، ولازمه مدة الحصار إلى أن توفي الأمير، وفتحت المدينة بعد حصار طويل، وتقلد الإمارة من بعده ولى عهده شير علي خان وكان ذلك سنة ألف ومائتان وثمانين من الهجرة، ثم وقع الخلاف بين الأمير الجديد واخوته، إذ أراد أن يكيد لهم ويعتقلهم، فانضم جمال الدين إلى محمد أعظم أحد الأخوة الثلاثة، لما توسمه فيه من الخير، وأستعرت نار الحرب الداخلية، فكانت الغلبة لمحمد أعظم، وانتهت إليه إمارة الأفغان، فعظمت منزلة الأفغاني عنده، وأحله محل الوزير الأول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى